الخميس، 6 أكتوبر 2016

مذكرة الفلسفة المعاصرة

المادة  : فلسفة                                        الإشكالية الثانية  :الفكر بين الوحدة والتعدد.
الأستاذ:    .......................                      المشكلة الثالثة :   الفلسفة المعاصرة         
الحصة:  نظرية        الموضوع : كيف أعادت الفلسفة المعاصرة القيمة للإنسان؟                                   المستوى : 2آف1 ، 2آف2                        الحجم الساعي : 3 سا
الكفاءة الختامية
الكفاءات المحورية والخاصة
المضامين المعرفية
الأمثلة وأقوال الفلاسفة








الكفاءة الختامية الأولى:
يتوصل المتعلم
إلى
التحكم في آليات الفكر النسقي














الكفاءة المحورية:
 التحكم في آليات التفكير المنطقي












الكفاءة الخاصة1:
ضبط المفاهيم المنطقية

مقدمة :إن الفلسفة المعاصرة شكلت المنعطف الحاسم في تاريخ الفلسفة بحيث أعادت النظر في قضية الوجود في نفسية الإنسان المعاصر والاهتمام بمصيره بصورة دقيقة ومركزة جدا ، خاصة في ظل الفراغ الروحي الذي أصبح يعيشه الإنسان المعاصر ، كيف عبرت الفلسفة المعاصرة عن الهموم الأنطولوجية والروحية للوجود الانساني ؟
ماهي الفلسفة المعاصرة ؟: هي فلسفة القرن العشرين ، وما جاء بعده ، وما عبرت عنه هذه الفلسفة من اتجاهات ومبادئ ومناهج وطرق جديدة لمعالجة مختلف القضايا والموضوعات .
ماهي مميزات الفلسفة المعاصرة :
1 ـ إنها فلسفة ارتبطت بالعلم ونتائجه : فقد تأثرت بالمنهج التجريبي وطريقة دراسة للظواهر ، وما حققه من تطور ونجاح في اكتشاف الكثير من القوانين ، وهذا ما كان له أثر كبير على  الفلسفة ، وساعد على ظهور فلسفات أخرى ( فلسفة علمية مادية ، فلسفة واقعية ، الوضعية المنطقية ، والواقعية الجديدة ،....)
2 ـ إنها فلسفة تحليلية : فالتحليل هو السمة الأساسية التي طبعت الفلسفة المعاصرة ، ولم نعد نجد مذاهب فلسفية ضخمة ، بل نجد نزعات تحليلية ، تهتم بالمنهج وتحرس على الدقة في التحليل ، سواء اهتم الفيلسوف بتحليل اللغة والمعاني والرموز كما هو عند " برتراند رسل " أو " مور " وغيرهم ، أو اهتم بتحليل وقائع الشعور ومواقف الحياة الإنسانية كما هو الحال مع " هوسرل " وغيره .
3 ـ كانت ثورة على الميثالية والمطلق : ومن ثمة رفض التعميمات الواسعة والأحكام المطلقة والحقيقة الكلية والرجوع إلى الواقع ، وفهم حقيقة الإنسان ومعاناته ، والتعبير عنها ، كتجارب حية تعبر عن فردية الإنسان واستقلاله الذاتي .
4 ـ الثورة على الآلية ونتائج العالم المادية :وذلك ما أفرزه التقدم العلمي من تطورات وتقنيات وابتكارات مادية ، إذ صار ينظر إلى كل شيء على أنه مادي ، بما فيه الانسان ...هذا ما ولد ردود أفعال فلسفية تدعو إلى فهم حقيقة الانسان ككائن حيوي واع ذي أبعاد روحية ، يختلف عن بقية الظواهر الجامدة ، ويتميز عنها بالعقل والشعور مثل فلسفة ( سارتر ، هيدغر ، برغسون ...)
5 ـ ماأفرزه الواقع الانساني من حروب ( الحرب الالمي ة الاولى والثانية ) وما نتج عنهما من دمار وخراب ومآس وتفكك إجتماعي .
كل هذه الابعاد ولدت قلق الانسان المعاصر مع ذاته ومع واقعه وأنتجت همومه المختلفة ، وخلقت جوا مشحونا بالضيق والقلق واليأس من الحياة ، وهذا ما عبرت عنه الفلسفة المعاصرة :
فكيف عبرت الفلسفة المعاصرة عن قلق الانسان اتجاه الوجود ؟ وبماذا لتجاوز ذلك ؟
1 التعبير عن قلق ومعاناة الانسان المعاصر تجاه الوجود : إن الفلسفة المعاصرة وتحليلاتها ، حاولت أن تعبر عن فكر وحياة الانسان المعاصر ،وما يعيشه من أزمات عميقة ، وقلق ومعاناة تعصف بكيانه ، بل ويأس وضيق يهددان وجوده ، وقد عبرت عن هذا الحال بوضوح بعض تيارات الفلسفة المعاصرة :
النزعة الوجودية :
التي تعتبر من أكثر الفلسفات " القرن العشرين "شهرة وشعبية ، لأنها قامت على مبادئ جوهرها الاهتمام بالانسان وصميم وجوده وحياته ، والتعبير عن قلقه وضيقه وهمومه وحريته ومسؤوليته ، وما لآل إليه من واقع يهدد كيانه ، ويكاد يفقده إنسانيته .
وهذا ما حاول أن يظهره " كيركجارد "الأب الروحي للفلسفة الوجودية  ، وكذا " جان بول سارتر" وهايدغر"
* فالانسان عندهم موجود عبثي مقذوف به في هذا العالم اللاعقلاني ، يحمل همومه وهموم الوجود كله ، ومسؤول مسؤولية مطلقة اتجاه ذاته واتجاه الآخرين .
* كما أن الانسان في نظرهم هو الكائن الوحيد في الوجود الذي يسبق وجوده ماهيته ومن ثمة يصير موجودا ناقصا ومشروع غير مكتمل ، ومفروض عليه من هنا أن يسعى لإكمال مشروعه وصناعة ماهيته وإرادته وفق حريته واختياره المطلق ، وكأنه محكوم عليه في كل لحظة أن يخترع الانسان ، وهذا ما يولد لديه المخاطرة بوجوده في كيفية صناعة ماهيته وذاتيته المدفوع إليها بطبيعته.
من هنا يشعر الانسان بقلق أصيل يهدد وجوده ، وتشاؤم يحكم مشروعه وضيق ويأس تجاه مستقبله.
لذلك اجتهدت الوجودية في وضع تصور يجعل من الحياة الانسانية ممكنة ، وذلك بوضع مصير الانسان بين يديه كيفما شاء. وكان ذلك على يد بعض من فلاسفة النزعة الوجودية الذين كانت لهم نظرة أكثر تفاؤلا لمصير الانسان ومشروعه المستقبلي ، ومن أشهر هؤلاء : " كارل ياسبرس " و غابريل مارسيل" حيث يؤكدون أن أزمة المدنية المعاصرة ، وقلق الانسان ومآسيه لا تنبثق من إرادته وطبيعته ، بل هي مرتبطة بتطوره الأعرج وغير المتوازن ، لأنه أله العلم ، وأفرط في تقديس المادة ، وخضع لمنطق الآلة ، ونسي الذات الانسانية وجوهر روحها .
لذلك فالمخرج عندهم والحل لكل هذا يكمن في العمل على الموازنة بين نتائج العلم ومنجزاته وتقنياته ، وبين القيم الروحية للانسان ومشاعره وأحواله ، ليعبر عن حقيقة تكامله الوجودي ( الوجود والماهية .) لهذا يجب النظر إلى الانسان ككائن واع ذي إرادة حرة ومسؤولة قادرة على التعبيرعن صميم وجودها .
2 ـ الدعوة إلى تجديد الطاقة الروحية للانسان :
حيث صار الانسان المعاصر يعيش أزمة روحية وإنسانية ، تعبر عن إهمال شبه كلي للذات وقيمتها وأبعادها الروحية ، مما استدعى ضرورة العمل على استرداد هذه القيم ، وإيجاد توازن بين المادة والروح ، وهذا الشيء الذي أدى لإلى ظهور نزعات فلسفية جديدة تدافع عن الابعاد النفسية الروحية وتقديس قيمة الانسان ، من أ شهرها :أ ـ النزعة الحدسية ( النفسية ):
والتي يتزعمها " هنري برغسون " وهي نزعة جوهرها انقاذ القيم التي أطاح بها المذهب المادي ، لذلك يحاول برغسون وأتباعه الدعوة إلى الاهتمام بالانسان وصميم روحه وشعوره ، لأنه كائن حي متميز بالديمومة الشعورية الحقة ، المتدفقة باستمرار ( فهو يولد وينمو ويشعر ويهرم ويموت ...) وهي خصائص لا وجود لها في المادة الجامدة. لهذا كان الشعور النفسي عند برغسون أساس الحياة وحقيقتها ، وما المادة إلا شيء نفسي تجمد ، فهي تنشأ عندما يضعف التيار الحيوي فينا.
لذلك لا بد من تجديد الطاقة الروحية الشعورية للانسان ، كضرورة دائمة متدفقة بالأفعال المعبرة عن حقيقة الأنا النفسي العميق ، كماهية حرة مليئة بالمشاعر والعواطف والذكريات والآمال ....ويؤكد هذا برغسون أن وسيلة معرفة النفس وإدراك الأشياء حقيقة ، تقتضي اعتماد الحدس كأداة لتحصيل ذلك.
ب ـ النزعة الشخصانية :
من أشهر روادها : " إمانويل مونيه " ، تعتقد هذه الفلسفة أن المدنية المعاصرة على حافة الانهيار ، وتعايش أزمة حقيقية تسير بها إلى كارثة إنسانية ، وتبرز مظاهرها من خلال إفلاسها الروحي ، وطغيان فلسفة اجتماعية مادية جشعة ، وخضوع الأفراد لآلية إقتصادية أنانية ، جردت الفرد منة إرادته الحرة ، وموت علاقاته الانسانية .
لذلك لا بد من توجه جديد ، وفلسفة روحية جديدة، تهتم بقيم الانسان وتؤسس لمبادئ حضارته ، وفق أسس روحية إنسانية ترفع كرامة الانسان ، وتحترم علاقاته بالآخرين ، وتجاوز سياسة الظلم ، والفساد الاجتماعي ، والتمييز الاقتصادي.
* السعي لفهم تاريخ الانسان ككائن عاقل حر ، مبدع صانع لتاريخه ، وأساس ذلك هو الفرد أو الشخص ، فلا بد من احترامه وتقدير شخصيته وفردانيته.
التأسيس لعلاقات إنسانية تتلاقح وتتواصل، لتعبر عن الارادة الانسانية تجاه الوجود بالابداع والتكيف وإقامة توازن بين ما هو مادي وما هو روحي دون اختلال.

الفلسفة المعاصرة كنزعة تحليلية :
1 ـ تحليل الوجود الانساني من خلال الشعور وظواهره : إن الفلسفة المعاصرة كنزعة تحليلية نجدها تأثرت كثيرا بالعلم ونتائجه ، وما وصل إليه من دقة ويقين ، نتيجة اعتماده لغة الرياضيات وأنساقها ، مما أدى إلى إتفاق العقول حول نتائجه ، بعكس الفلسفة التي بقت تعاني الاختلاف وعدم الاتفاق نتيجة أبحاثها الميتافيزيقية ، لذلك لا بد من منهج جديد تؤسس عليه أفكارها ، لتقترب من الدقة والموضوعية وتجاوز الماورائيات ، وهذا ما جتهدت في وضعه :
* النزعة الظواهرية : من أبرز روادها " إدموند هوسرل " الذي يؤكد أن فهم حقيقة الأشياء بطريقة برهانية ، بعيدة عن الشك ، تقتضي تناول الظواهر كما تبدو للشعور مباشرة ، بخصائصها الجوهرية التي تحملها ، حتى تتيح للعقل تناول الموضوعات صافية كما هي ، من خلال معايشتها كتجربة حية أولية ، متحررة من الآراء السابقة والأحكام القبلية ، والاحتمالات اللغوية التي تشوب الدراسة وتفسد فهمها وتدخل عناصر لا علاقة لها بالموضوع .
ومن هنا يعتقد هوسرل أنه حتى تكون الدراسة الإيجابية ، وجب الذهاب إلى الأشياء نفسها مباشرة ، أي الأشياء الظاهرة في الشعور ظهورا بينا مثل : اللون الأحمر والأزرق والصوت والحكم والمحبة والكراهية ...كماهيات جوهرية ، ثابتة ،
ومن هنا تذهب الفلسفة الظواهرية إلى أن إدراك حقيقة الظواهر وجب أن يقوم على تناول الظاهرة كوحدة كلية لا تتجزأ ، تتجمع كل وقائعها لتفهم حقيقتها ، وتعبر عن نفسها كماهية متكاملة الأبعاد ، تتحد فيها الذات والموضوع معا ، بطريقة قصدية واعية ، أي أن الظاهرة موضوع المعرفة هي في الوقت نفسه المعرفة بهذا الموضوع ( كفعل نفسي ) بمعنى أن الموضوع يقدم نفسه للذات ( شعور ) كمعرفة تعرف والذات تضفي عليه وعيا وقصدا يعبر عن معرفته ، وهكذا بالتناوب ، وهذا دليل وحدتهما
ومن هنا يمكن أن نؤسس للمعارف الفلسفية دون الخوض في التفرقة بين الذات والموضوع ، بل الأخذ بهما معا .
2 ـ المدرسة الوضعية ( أصحاب حلقة فينا):
وعلى رأسهم " برتراند رسل " "ريشنباخ "، " فتغنشتاين " :حيث يؤكد هؤلاء أن الفكر المعاصر ، والفلسفة خصوصا ـ من أجل أن يتجاوز أزمته ـ وجب أن نحدد مجالات دراسته ، وأن نتعرف على الميادين التي يشتغل عليها ، ومن هذه الزاوية يصنفون المعارف إلى ثلاثة أنواع :
* معارف تأملية ميتافيزيقية : أبحاثها ودراسلتها لا يمكنها أن تبلغ اليقين ولا يمكن التأكد منها ، لذلك لا جدوى من الاشتغال بها ، والعمل على نبذها والتحرر منها.
* معارف علمية : تبحث في المادة وظواهرها بمناهج تجريبية واقعية ، وهو مجال العلم والعلماء ، وعلى الفلسفة ألا تنافسه أو تخوض فيه ، لكن عليها الاستفادة منه ومن نتائجه. وتبقى في رأيهم معرفة تحليلية : أي على الفيلسوف المعاصر بالأخذ بها في تناول القضايا الفكرية ، وكذا العلم وموضوعاته ، ونتائجه وفق تحليل واقعي ، ومنطقي يمارس فيه تفكيكا لأبعاده والأسس التي يقوم عليها ، وهذا ما يتبين من خلال أبحاث فلسفة العلم ، والدراسات الابستمولوجية .
ويؤكدون أن هذا التحليل للفكر وأبعاده ، ومعارفه ، يحررنا من الشك والميتافيزيقا ، كما نرتقي إلى مستوى الوضوح ، والتأسيس المنطقي والموضوعي للدراسة الفلسفية ، ولا يمكن أن يتم كل هذا إلا :
بالوقوف على تحليل دلالة اللغة ودقة تعبيراتها :لأن من أسباب أزمة الفكر الفلسفي عدم وضوح لغته والتعبير عن نفسه بأساليب غامضة ومعقدة ومغلقة ، يصعب فهمها ، بعيدة عن واقع الانسان وما يعايشه.
لذلك لا بد من العودة إلى ضبط حدود اللغة ورموزها ، كما هو الحال في العلم ، ولغته الرياضية ،ومن هنا يمكن أن نصل بالبحث الفلسفي إلى مستوى الموضوعية والمنطقية ورفض كل ماهو ذاتي .
ـ كيف مارست الفلسفة المعاصرة القطيعة مع الفكر الذاتي الميتافيزيقي؟ وماهي البدائل التي أخذت بها ؟
استطاعت الفلسفة المعاصرة تجاوز الفلسفات التي سبقتها لأنها كانت مجرد فلسفات تأملية ذاتية كما أنها لم تقدر عل مسايرة التطور الحاصل في مجال العلم والواقع ، لذلك اعتبرت عائقا وجب تجاوزه وقطع الصلة معه .وقد عبر عن هذا رسشنباخ بقوله :" لقد كان تاريخ الفلسفة التأملية النظرية قصة لأخطاء أناس وجهوا أسئلة لم يتمكنوا من الإجابة عنها "، ولتصحيح هذه الأخطاء يقتضي التأسيس لفلسفة علمية لأن الفلسفة التي لا تستمد روحها من العلم لا تعد فلسفة بل مجرد تأمل ذاتي .
من أهم هذه البدائل :
1 ـ الأخذ بالمبادئ الجديدة للعلم : إن الفلسفة المعاصرة بالرغم من ثورتها على آلية العلم ، ونتائجه التقنية المدمرة ، إلا أنها تبقى فلسفة مرتبطة بهذا العلم وما انتجه من أفكار جديدة ، ومنهجية بحث ، وطرق دراسة أسس عليها نفسه أخذت بها الفلسفة المعاصرة في كثير من أفكارها ومبادئها ونتائج فلسفتها من أبرزها :
أ  ـ اكتشاف مبد أ النسبية والاحتمال : إن معطيات العلم في القرن العشرين وما أحدثته من تورة على المفاهيم السابقة ، ابتداءا برفض مبدأ الحتمية المطلق الذي يحكم الكون ومن ثمة رفض القانون المطلق وهدم الفيزياء الكلاسيكية ل نيوتن ، كان هذا إعلان عن تبدل مفاهيم أولية كان يسود الاعتقاد بأنها ثابتة ويقينية ، وظهور مبادئ جديدة في العلم ومناهج بحثه غيرت من مجرى تاريخه ، وعبرت عن نضج عقلي جديد ، عبرت عنه النظرية النسبية لأنشطاين ، وميكانيكا لكونتم ، والميكانيك التماوجي ، وفيزياء المصفوفات ، وميكانيك ديراك ، وغيرها من الأبحاث العلمية التي رسخت مبدأ الاحتمال والنسبية في الدراسة العلمية ونتائجها ، وهذا ما رفع عن العلم هالة المطلق والنتائج اليقينية ، وتوجيهه نحو فهم نظام الأشياء ، واستخلاص النتائج منها قدر الإمكان ، والابتعاد به عن التأمل والخيال .
وكل هذه الافكار العلمية كان لها الأثر الكبير في الأبحاث الفلسفية المعصرة عند جون ديوي ، ورسل ، وكارل بوبر ، وباشلار ، وبياجي ، كارناب وغيرهم ، وعملوا على تجاوز الفكر الذاتي وبناء فلسفات جديدة لا تؤمن بحقيقة ثابتة أو نهائية .
ب ـ الأخذ بمبدأ : أن العلم بناء جديد وليس مجرد تراكم .
ذلك أن حركية العلم وما ينتجه عبر تاريخه ، لا يمكن أن يجعلنا ننظر إليه على أنه مجرد مراحل متتابعة أو حلقات متكاملة يصعب فصلها ، وكان العلم مجال يحركه التراكم والتكديس للمعارف والقيم والأفكار والنظريات ، وإضافة اللاحق إلى السابق وانتهى الأمر : فكل عالم يحاول أن يفهم سابقيه ، ويأخذ عنهم ما انتهوا إليه ، ويسعى إلى الإضافة قدر جهده وإبداعه .
غير أن هذا الموقف صار بالنسبة للفكر المعاصر مجرد ترف فكري لا يتناسب مع طبيعة الروح العلمية ، وقابليتها للنمو والتغير ، والبناء المتجدد باستمرار ، وهذا الموقف هو ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار ، فالعقل العلمي عنده لا يحكم بحركة خط مستقيم ، بل يجب أن يساير التطورات العلمية ، ويتغير من مرحلة علمية إلى أخرى ، ويكتسب في كل مرحلة مفاهيم جديدة تحت تأثير الثورات العلمية المتعاقبة ، ليبني نفسه من جديد ، وعليه ينبغي أن يضل التفكير نشيطا حتى على صعيد الفكر المحض ، لأن الفكر العلمي يعاصر بكل دقة الطريقة المعلن عليها ، يقول باشلار : " فالعقل مضطر إلى تأسيس نفسه من جديد كلما دعت الحاجة إلى ذلك عن طريق نفي ذاته " من هنا كان تاريخ العلم لا يعبر عن حقائق أولى ، بل عن أخطاء أولى ، وجب النظر إليها وإعادة تصحيحها وفق المقاربة المعرفية بين العقل والتجربة ، باعتماد الهدم والقطيعة مع الماضي ، ورفض الذاتية ، ونفي المعارف الساذجة ، وإنكار التناقض ، وإعادة البناء وفق الموضوعية العلمية وتحقيق النموذج العلمي وصولا إلى العقل العلمي الجديد .
وعلى هذا الأساس يصير العقل العلمي متطورا باستمرار ، يمارس الهدم والنفي ليعود إلى البناء والتأسيس من جديد على اعتبار أن العلم لغز متجدد باستمرار ، لا يعترف بما هو ذاتي .
2 ـ الأخذ بمبدأ البراغماتيزم في العمل وفي فهم الوجود الانساني : والبراغماتية : تعني العمل ، وهي مذهب فلسفي يقرر أن العقل لا يبلغ غايته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح ، فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة التي تحققها التجربة ، ولا صدق لقضية إلا إذا قيست بنتائجها العملية ، فالبراغماتي معناه : العملي أو النفعي ، فالبراغماتية فلسفة تضع العمل مبدأ مطلقا لكل موضوع ولكل فكرة ، يقول بيرس :" إن تصورنا لموضوع ما ، هو تصورنا لمل قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر " وهذا يعني أن علامة الحقيقة ومعيارها هو العمل المنتج والنافع ، وليس الحكم العقلي . ومن هنا تكون الفلسفة البراغماتية منهجا عمليا ، واتجاها نفعيا غرضه تحويل النظر عن الأوليات والمبادئ التي خاضت فيها الفلسفات السابقة والاهتمام والتركيز بالغايات والنتائج ، يقول :" وليم جيمس " :" إن التفكير  هو أولا وآخرا ، ودائما من أجل العمل ، وتصورنا لأي شيء ندركه بالحس ، ليس في الواقع إلا أداة يحقق بها غاية ما " ويقول أيضا :" إن كل مايؤدي إلى النجاح فهو حقيقي ، وأن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة ، و ما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي "ويؤكد بيرس أن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج ، أي أن الفكرة خطة للعمل أو مشروع له ، وليست حقيقة في ذاتها ، وما كل هذه المعاني ، إلا صورة للفلسفة البرغماتية المعاصرة التي تقدس العمل وتثمنه ، وتجعله محور الفكر وفهم الوجود ، وقيمة الإنسان في الحياة . ومن ثمة فهي دعوة إلى ترك الفكر الذاتي التأملي ، وجدالاته العقيمة والتوجه إلى الواقع والحياة ومعيشتها والتفاعل الإيجابي معها .، وهذا ما دعى إليه جون ديوي :" الذي اعتبر المعرفة مجرد آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة ، وتفعيل الإيمان بالفكر والعمل والحرية.
خاتمة : الفلسفة المعاصرة بكل أبعادها  نجدها قد اهتمت بالانسان ، فكان محور عملها ، سواء بالتعبير عن أزمته ومعاناته ، أو في مجال اقتراح البدائل التي تمكنه من فهم ذاته وفي كيفية التعايش مع واقعه ، والنظر إلى مستقبله .    

   
       











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق