الاثنين، 26 سبتمبر 2016

دولة الأدارسة

دولة الأدارسة
(172-364هـ/789-975م)
ذُكِرَ أنه فى أيام الخليفة الهادى قامت ثورة "علوية" فى الحجاز، وهى من تلك الثورات التى كان العلويون يشعلون نارها طوال خلافة العباسيين. وقامت قوات "الهادي" بالقضاء على هذه الثورة فى موقعة "فخ”. ولكن بعض رءوس هذه الثورة وقادتها قد أفلتوا من أيدى العباسيين وهربوا إلى أماكن نائية بعيدًا عن أيديهم.
وكان ممن هربوا عَلَوِى يسمى "إدريس" بن عبد الله بن الحسن ابن على -رضى الله عنه-. وراحت قوات العباسيين تطارده، عيونهم وجواسيسهم تبحث عنه، فظل ينتقل من قطر إلى قطر آخر حتى وصل إلى مصر. وفى مصر التقى بصاحب البريد، وكان قلبه مع العلويين، فدبر لإخفائه، واحتال حتى أرسله إلى أبعد أجزاء الدولة حتى يكون فى مأمن من سطوة الخليفة.
وكان له ما أراد فوصل إلى أقصى المغرب.
وهناك أعلن أنه من سلالة النبى (، فأسرع البربر بالالتفاف حوله غير أن جيش أنصار الخليفة العباسى تمكن من هزيمته، ولكن ابنه إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن على تمكن من جمع أهل المغرب من حوله، وما أسرع ما بايعوه، ولم يجد صعوبة فى قيادتهم والاستيلاء على الإقليم جميعه، والقضاء على أى أثر للنفوذ العباسى فيه، واتخذ عاصمته فى فاس، وأقام دولة هناك نُسبت إليه فعُرفت بدولة الأدارسة، وهى نموذج للدولة المعادية للدولة العباسية، وهى أول دولة شيعية تظهر فى التاريخ، على أنَّ تَشَيُّعَها لم يكن يتجاوز حب آل بيت رسول الله > والولاء لهم، وهى صفة يشترك فيها السنة والشيعة معًا، وإن بالغ فيها أهل التشيع.
فلم يكن تشيع هذه الدولة ينال من حقيقة الإسلام الصافية شيئًا. ولهذا أحبها أهل السنة وانتصرت بهم، وكانت القبائل البربرية السنية فى المغرب حاميتهم وعماد دولتهم، ولهذا أيضًا عاشت دولة الأدارسة نحوًا من قرنين من الزمان.
لقد كانت "دولة الأدارسة" ضعيفة نسبيّا وذلك لسببين:
أولهما: أنها كانت محصورة بين الصحراء والمحيط والأمويين فى الأندلس ثم الأغالبة فى إفريقية.
ثانيهما: هو أنها كانت تعتمد على البربر وهم متقلبون يؤيدونها اليوم بينما يثورون عليها غدًا.
وكانت سياسة الدولة نفسها متقلبة تميل مع مصالحها لتضمن البقاء والاستمرار، فهى يومًا تميل مع الفاطمين، فتدعو لهم، وتعتمد عليهم، وعندما يهددها الأمويون فى الأندلس تميل معهم وتدعو لهم، وهذا يفسر لنا بوضوح سر ضعف دولة "الأدارسة”.
وأراك تسألنى عن نهايتها، وأقول: لقد كانت نهايتها كنهاية دولة "الأغالبة" فى تونس -التى سيأتى ذكرها- على يد الفاطميين سنة 364هـ/ 975م بعد أن عاشت ما يقرب من قرنين، وأدت دورًا حضاريّا رائعًا فى المغرب الإسلامي، إذ انتشر بهم الإسلام فى المغرب بين البربر، وأسّسوا جامع القرويين الذى كان منارة للثقافة الإسلامية، وكانت فى المغرب كالأزهر فى المشرق.
***
إدريس (الأول)
منذ أن تولى العباسيون الخلافة سنة 132 هـ / 750 م، أصبح أبناء عمهم العلويون في نزاع شديد معهم، لأنهم اعتبروهم غاصبين للمنصب الأعلى في الدولة الإسلامية وأن الحق في توليه يرجع إليهم بالأسبقية. فصاروا يتحينون الفرصة للثورة عليهم.
كان أول من تزعم الحركة محمد بن عبد الله بن الحسن، المدعو النفس الزكية الذي ثار بالمدينة، لكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قضى على ثورته سنة 145 هـ/ 762 كما قضى على الثورة الموازية لها التي قادها أخوه إبراهيم بالبصرة في نفس السنة، وكان محمد النفس الزكية فكر في تبليغ الدعوة إلى كل الأقاليم الإسلامية شرقا وغربا، آملا في كسب المزيد من الأنصار للقضية، فوجه بعض إخوته، ولعل منهم إدريس، إلى بلدان إسلامية مختلفة.
وبعد مرور أربع وعشرين سنة على هاته الثورة أي في سنة 169 هـ/ 786، قامت ثورة أخرى بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث في ناحية مكة بمكان اسمه فخ. ولم تنجح هاته الثورة بدورها حيث قضى عليها الخليفة الهادي ابن المهدي في معركة كانت شديدة وقتل فيها كثير من العلويين.
واستطاع إدريس، عم الحسين، وأخو محمد النفس الزكية. أن ينجو من القتل ويفر من المكان باحثا عن ملجأ يأوي إليه. فكم يكون سنه يومئذ ؟ لا تسعفنا المصادر بجواب واضح عن هذا السؤال. ولكن إذا صدقنا ما أشار إليه البعض منها من كونه ساعد أخاه محمد النفس الزكية ، فيمكننا أن نقدر سنه بين الأربعين والخمسين عند نشوب معركة فخ.
وأما نسبه، فهو إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء، بنت الرسول عليه السلام. وأمه عاتكة بنت الحارث بن خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة المخزومي. فهو إذن، قرشي من الأبوين، ومنزلته وجيهة في الأسرة العلوية.
كانت أنظار العلويين، وهم في حالة المراقبة والاضطهاد التي يعانون منها، تتجه بالخصوص إلى المغرب، لبعده عن مركز الخلافة العباسية ولاشتهاره برفع راية العصيان والمعارضة لتلك الخلافة. وقبل العلويين اتجهت أنظار الخوارج لنفس المنطقة. وأمكنهم أن يؤسسوا بها دولتين مشهورتين في تاهرت وسجلماسة، مما يدل على أن البلاد كانت مرشحة لتكون مركزا لثورة مضادة وربما لقيام خلافة مناهضة للخلافة العباسية.
فالتجاء إدريس إلى المغرب صحبة مولاه راشد بعد أن حصل على مساعدة والي مصر وأفلت من مراقبة الشرطة العباسية، يفسره عزمه على الأخذ بثأر العلويين، من جهة، وطموحه إلى تأسيس دولة قادرة على مناوأة الخلافة العباسية والقضاء عليها إذا ما ساعدت الظروف على ذلك، من جهة أخرى.
حينما وصل إدريس إلى المغرب توجه ، أولا، إلى طنجة التي كانت تعتبر آنذاك حاضرة المغرب الكبرى. وكان لا بد له، ولا شك، من وقت للإطلاع على أحوال البلاد وسكانها وجس نبض أهلها، على المستوى السياسي. فأخذ يتصل بنفسه أو بواسطة مولاه راشد ببعض رؤساء القبائل الكبرى في المغرب لإسماع كلمته ونشر دعوته. وقد احتفظت لنا بعض المصادر بوثيقة مهمة، يرجع الفضل في نشرها إلى علال الفاسي الذي نقلها عن مخطوط يمني. وهي عبارة عن نداء وجهه إدريس إلى المغاربة. وهو نص طويل نكتفي هنا بإيراد فقرة منه:
"وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً. فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء. فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين. فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبيين. واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم، وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره وقل ناصره، وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه فأجيبوا داعي الله. فقد دعاكم إلى الله."
(الوثائق : المجموعة الأولى ص 43.).
وأدت الدعوة والاتصالات إلى نتائج إيجابية في أمد قصير، مما يدل على ذكاء، إدريس ودهاء مولاه راشد وهكذا لبت جملة من قبائل البربر الدعوة وقبلت أن تلتف حول إدريس . ولا شك أن انتماءه للأسرة النبوية كان له أثر قوي في هذا الإقبال ، سيما والعلويون يومئذ كانوا يمثلون العنصر الثائر والمعارض. فالارتباط بدعوة إدريس معناه التحرر من كل تبعية للخلافة العباسية وضمان الاستقلال السياسي للمغرب.
وترتب عن هذا الموقف الجماعي لقبائل البربر أن حصل اتفاق بين إدريس بن عبد الله وزعيم أوربة القبيلة ذات الشوكة في المنطقة ، إسحاق محمد بن عبد الحميد الأوربي. وتحول إدريس إلى مدينة وليلي، حيث تمت بيعته يوم الجمعة 4 رمضان سنة 172 هـ الموافق 6 فبراير 789 م . وكانت قبيلة أوربة أول من بايعه من قبائل المغرب، نظراً لمنزلتها الكبرى في المنطقة. ثم تلتها قبائل زناتة وأصناف من قبائل أخرى مثل زواغة وزواوة ولماية وسدراته وغياثة ونفزة ومكناسة وغمارة الخ. وكان للقبائل في ذلك العصر أهمية أكبر من اليوم ، نظرا لكون البادية كانت أكثر سكانا من المدن ولكون ظاهرة العصبية كانت ذات تأثير خطير، على المستوى السياسي.
ويحدد القرطاس شروط البيعة ، إذ يقول: " بايعوه على الإمارة والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزوهم وأحكامهم " (ص 20) . وكان الحدث في حد ذاته ذا أهمية قصوى في تاريخ المغرب لأنه يرمز إلى قيام الدولة المغربية المستقلة لأول مرة في حياة البلاد ، بحيث كانت الدولة الإدريسية بما خلقته من تقاليد ونظم لتسيير البلاد أول صورة لدولة حقيقية في المغرب تكيف المعطيات البشرية المحلية مع تعاليم الإسلام وتراثه السياسي.
وما أن بويع إدريس حتى كون جيشا من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة وقاده لفتح أقاليم مغربية أخرى وتوسيع مملكته. فاستولى على شالة، ثم على سائر بلاد تامسنا وتادلا. وعمل على نشر الإسلام بها. ثم عاد بجيشه إلى وليلي في آخر ذي الحجة من سنة 172 هـ. وتوقف مدة قصيرة بقصد إراحة الجنود.
ثم خرج في سنة 173 هـ لمواصلة نشر الإسلام بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة ، مثل حصون فندلاوة وحصون مديونة وبهلولة وقلاع غياثة وبلاد فازاز أي الأطلس المتوسط . وتوصل إلى نتائج إيجابية عند قيامه بتبليغ الدعوة ، حيث استجاب السكان لدعوته بالقبول . ثم عاد من حملته العسكرية تلك في جمادى الأخيرة سنة 173 إلى مدينة وليلي بقصد إراحة جيشه .
وفي نصف رجب من السنة ذاتها (8 دجنبر 789)، توجه إدريس بجيشه صوب الجهة الشرقية من المغرب الأقصى، فوصل إلى مدينة تلمسان وخيم قبالتها. فخرج إليه أميرها محمد بن خزر بن صولات المغراوي فطلب منه الأمان، فأمنه إدريس، فقدم له محمد بن خزر بيعته، ودخل إدريس إلى تلمسان بعد أن بايعته قبائل زناتة بتلك الجهات.
هكذا حصل إدريس على نتائج كبيرة في أقل من سنتين ، بفضل جده ومثابرته وشجاعته، وأصبح يضم تحت سلطته مملكة تمتد من تامسنا غربا إلى تلمسان شرقا، مارة بتادلا والأطلس المتوسط . كل هذا أثار مخاوف الخليفة هارون الرشيد، سيما وهو يلاحظ أن إدريس في تحركاته العسكرية الأخيرة أخذ يتجه نحو الشرق وبات يشكل خطرا وشيكا على ولايتها الأمامية في المغرب: أفريقية ، التي كانت يومئذ في وضع قلق وتعاني من اضطرابات مختلفة . فلم ير الرشيد بدا من التخلص من إدريس بأية وسيلة.
ولا فائدة من الدخول في تفاصيل الرواية المتداولة عن اغتيال إدريس عن طريق السم التي وقع فيها بعض الاختلاف والزيادات القصصية. والمهم في ذلك هو أن الرشيد لما رأى صعوبة توجيه جيش من العراق إلى المغرب وأدرك أنه لا يستطيع أن يعتمد كثيرا على جيشه بأفريقية، قرر اللجوء إلى أسلوب الاغتيال على يد رجل ماهر في الكذب والتلبيس والجاسوسية. كما يحدث إلى يومنا هذا في قضايا الاغتيال السياسي. وبمساعدة إبراهيم بن الأغلب الذي كان من الرجال الثقاة عند الرشيد على الصعيد المحلي وكان مرشحا لتولي منصب الولاية على أفريقية. هل الشخص المكلف بهاته المهمة كان هو الشماخ أو سليمان بن جرير ؟ سؤال يستحيل الجواب عليه. وكل ما يمكن تأكيده هو أن ذلك الشخص تمكن من اغتيال إدريس عن طريق السم سنة 177 هـ/ 793.
تلك، على وجه الإجمال، هي ترجمة إدريس الأول الذي أصبح شخصا مقدسا عند المغاربة له ضريح كبير في مدينة زرهون، يقام له فيه موسم كبير في كل سنة.
 الأدارسة  
1. اختلاف في تاريخ قدوم إدريس إلى المغرب ؟ هناك رواية تقول إن مجيء إدريس إلى المغرب حدث في عهد أبي جعفر المنصور أي إثر ثورة محمد النفس الزكية في سنة 145 هـ. ولكن أغلب الروايات تقول إنه جاء بعد موقعة فخ سنة 169 هـ. وهو التاريخ المعتمد عند جل المؤرخين القدماء والمحدثين.
2. ورد في بعض المصادر الزيدية أن إدريس قصد المغرب داعيا لأخيه يحيى بن عبد الله الذي فر إلي الديلم . فلما بلغه موت أخيه في سجن الرشيد، دعا إلى نفسه. وهي رواية يصعب البت فيها. وهي، على أي حال ، لا تتنافى مع ما حدث من بعد.
3. مذهب إدريس : الرائج عند بعض الباحثين المغاربة المعاصرين أن إدريس كان سنيا ومالكيا ، وهو قول لا يثبت أمام النقد التاريخي. فالسنة كانت ، في عهد إدريس ، موجودة كممارسة لا كمذهب . فالمذهب السني لم تكن وقعت بعد صياغته النهائية وحررت مبادئه وجمعت نصوصه كاملة. ويجب انتظار عصر الأشعري وتلامذته، ابتداء من القرن الثالث الهجري ليظهر المذهب بقواعده وأحكامه. كما أن دخول المذهب المالكي إلى المغرب مع إدريس بعيد الاحتمال، إذا اعتبرنا القنوات التي مر بها المذهب المالكي ليصل إلى أفريقية ثم إلى الأندلس، واعتبرنا شخصية العلماء الأولين الذين تذكر المصادر الموثوق بها أنهم كانوا أول من أدخل المذهب إلى المغرب. فهنالك أزيد من قرن بين هؤلاء وإدريس. ولا ننس ، في الأخير، أن إدريس نشأ في بيئة زيدية وأنه بسلوكه وثورته على العباسيين طبق أحد مبادئ الزيدية الذي يقول بأن الإمامة هي حق لمن قدر عليها من العلويين. وقد ثبت من مصدر معروف هو مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصبهاني أن عبد الله بن الحسن، أبا إدريس وكذلك أخوه الحسن بن الحسن قد اعتنقا مذهب الزيدية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعن هذه المدرسة تخرج أولاد عبد الله الذين ثاروا على العباسيين، مثل محمد النفس الزكية وإبراهيم ويحيى وإدريس وسليمان. ومن المعلوم أن المذهب الزيدي لا يختلف كثيرا عن المذهب السني ويلتقي في بعض الأفكار مع المعتزلة، الشيء الذي ربما يفسر التعاطف الذي حصل بين إدريس وإسحاق الأوربي الذي قيل عنه إنه كان معتزليا. ومهما يكن، فلم يرد في المصادر التاريخية التي نعتمد عليها أي إشارة بأن إدريس كان سنيا أو مالكيا، وإنما هو تخمين واجتهاد من بعض الباحثين المعاصرين. والمصادر التي نعتمد عليها تتحدث عن التردد الذي وقع بين المذاهب بالمغرب والأندلس في الفترة الأولى من دخول الإسلام قبل أن يقع الاختيار النهائي على السنة والمذهب المالكي.

4. تأسيس فاس : كانت الرواية المتداولة والمنقولة عن القرطاس هي أن إدريس الثاني هو المؤسس الأول لمدينة فاس . لكن، بعد العثور على قطع نقدية إدريسية والإطلاع على نصوص الرازي والبكري وابن سعيد وغيرهم ، وبعد الدراسة المهمة التي قدمها المستشرق ليفي بروفنصال في هذا الصدد، يتضح أن المؤسس الأول لمدينة فاس كان هو إدريس بن عبد الله، أي إدريس الأول وأن إدريس الثاني أضاف إليها عدوة القرويين بعد مرور عشرين سنة على البناء الأول. وكانت المدينة الثانية تحمل اسم "العالية" حسب شهادة النقود

الأدارسة

الدولتين الإدريسية والرستمية والدويلات المجاورة
تكبير

الدولتين الإدريسية والرستمية والدويلات المجاورة

الدولة الإدريسية بعد وفاة إدريس الثاني تكبير
الدولة الإدريسية بعد وفاة إدريس الثاني
الأدارسة: أولى السلالات الإسلامية المستقلة في المغرب 788-974 م.
المقر: وليلى: 788-807 م، فاس: منذ 807 م.
مؤسس السلالة إدريس بن عبد الله الكامل (788-793 م) من أحفاد الرسول محمد (ص)، نجا بنفسه من مذبحة فخ، التي أقامها العباسيون للعلويين سنة 786 م. فر إلى وليلى (بالمغرب). تمت مباعيته قائدا و أميرا و إماما من طرف قبائل البربر في المنطقة. و سع حدود مملكته حتى بلغ تلمسان (789 م). ثم بدأ في بناء فاس. قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بتدبير اغتياله سنة 793 م. لإدريس الأول (مولاي إدريس في المغرب) مكانة كبيرة بين المغربيين. و يعتبر قبره في وليلى (مولاي إدريس اليوم) مزارا مشهورا. قام ابنه إدريس الثاني (793-828 م) و الذي تولى الإمامة منذ 804 م، قام بجلب العديد من الحرفيين من الأندلس و تونس، بنى فاس و جعلها عاصمة الدولة، كما دعم وطائد الدولة. قام ابنه محمد (828-836 م) عام 836 م بتقسيم المملكة بين إخوته الثمانية (أو أكثر). كانت لهذه الحركة تأثير سلبي على وحدة البلاد. بدأ بعدها مرحلة الحروب الداخلية بين الإخوة. منذ 932 م وقع الأدارسة تحت سلطة الأمويين حكام الأندلس والذين قاموا لمرات عدة بشن حملات في المغرب لإبعاد الأدارسة عن السلطة.
بعد معارك و مفاوضات شاقة تمكنت جيوش الأمويين من القبض على آخر الأدارسة (الحسن الحجام) والذي استطاع لبعض الوقت من أن يستولى على منطقة الريف و شمال المغرب، تقبض عليه سنة 974 م، ثم اقتياده أسيرا إلى قرطبة. توفي هناك سنة 985 م.
تفرعت عن الادارسة سلالات عديدة حكمت بلدان إسلامية عدة. أولها كان بنو حمود العلويون الذين حكمو في الجزيرة ومالقة (الأندلس). كما تولوا لبعض الوقت أمور الخلافة في قرطبة. فرع آخر من الأدارسة حكم جزءا من منطقة عسير في السعودية بين سنوات 1830-1943 م. الأمير عبد القادر الجزائري و الذي حكم في الجزائر سنوات 1834-1847 م ينحدر من هذه الأسرة أيضا. آخر فروعهم كان السنوسيين حكام ليبيا و الجبل الاخضر 1950-1969 م.

قائمة الأمراء:


 الحاكم
 الحياة
 الحكم
1
إدريس بن عبد الله
 ....-793 
 788-793 
2
إدريس الثاني
 793-828 
 807-828 
3
محمد بن إدريس
 ....-836 
 828-836 
4
علي بن محمد
 ....-849 
 836-848 
5
يحي بن محمد
 ....-848 
 848-864 
6
يحي بن يحي
 ....-874 
 864-874 
7
علي بن عمر بن إدريس
 ....-.... 
 874-883 
8
يحي بن القاسم بن إدريس
 ....-904 
 883-904 
9
يحي بن إدريس بن عمر
 ....-934 
 904-917 

في منطقة الريف


9
الحسن الحجام بن محمد بن القاسم
 ....-.... 
 905-922 
10
القاسم كنون بن أبراهيم
 ....-.... 
 937-925 
11
أبو العيش أحمد بن كنون
 ....-.... 
 948-959 
12
الحسن بن كنون
 ....-.... 
 959-985 
المصادر و الروابط
·        Islam: Kunst und Architektur
·        الأدارسة 

إدريس (الثاني)  إدريس الأزهر بن إدريس (الأول) بن عبد الله الكامل  إدريس الأزهر،

لا شك أن هارون الرشيد بات مطمئنا من جهة العلويين بعد تدبير اغتيال إدريس الأول سنة 177 / 793، لاعتقاده بأن نسل الأدارسة انقطع من المغرب . ولكن إدريس ما توفي حتى ترك جارية له اسمها كنزة حاملا. وتربص راشد مولاه ومن حوله من البربر حتى يروا المولود المنتظر فإن كان ذكرا ولوه مكان أبيه وإلا اختاروا لأنفسهم ما يليق بهم .
وحالف الحظ الأسرة العلوية ، إذ وضعت كنزة ولدا ذكرا يوم الاثنين 3 رجب 177 (14 أكتوبر 793) ضمن للأسرة الإدريسية استمرارها ، وهي الأسرة الكبيرة التي سيلمس وجودها في كثير من منعطفات تاريخ المغرب ، قديمه وحديثه .
ويُفيض القرطاس في ذكر تربية إدريس وتكوينه ، فيصفه بأنه كان "عارفا بالفقه والسنة والحلال والحرام وفصول الأحكام ". ولا شك أن راشدا مولاه سهر على ذلك التكوين ، لأن ترشيحه لمنصب الإمامة كان يقتضي معرفة مدققة بالعلوم الدينية واللغة العربية حتى يكون منافسا عن جدارة واستحقاق للخلفاء العباسيين المعاصرين . وهو ما يؤكده نفس المصدر متحدثا عن دور راشد : "وأقرأه القرآن فحفظه وله من السنين ثمانية أعوام ، وعلمه السنة والفقه والنحو والحديث والشعر وأمثال العرب وحكمها وسير الملوك وسياستها وعرفه أيام الناس ودربه مع ذلك على ركوب الخيل والرمي بالسهام ومكايد الحرب " (ص 25) .
وهذا التكوين جدير بأن يثير اهتمام المؤرخ للسبب الذي ذكرنا ولسبب آخر هو أن إدريس نشأ بين قوم كانوا ما زالوا حديثي عهد بالإسلام وكانت بضاعتهم من العربية قليلة . فكان الحفاظ على الدين يتطلب أن يكون الإمام ذا علم وثقافة متينة . كما أن شعوره بهويته كفرد من آل البيت كان يقتضي مثل ذلك التكوين .
ولم يتول إدريس الثاني، بالطبع ، مهام الإمامة أثناء هاته الفترة من طفولته ، بل ظل تحت وصاية مولاه راشد الذي اغتيل سنة 188. فتولى حينئذ مهمة الوصاية أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي. فسارع بأخذ البيعة من جميع قبائل البربر في 1 ربيع الأول سنة 188 (16 فبراير804 م ) لإدريس وهو ابن إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر. وقد اعتمدنا أشهر الروايات في ذكر هاته التواريخ لأن هنالك اختلافات بين المصادر.
والظاهر أن إدريس لم يبتدئ بمباشرة شؤون الدولة بنفسه إلا بعد سنة 190. فالمصادر لا تذكر له أي عمل بَيِّن قبل ذلك التاريخ الذي بدأ يعمل فيه من أجل نقل عاصمة دولته من وليلي إلى فاس . وكل ما يمكن الإشارة إليه هو أن صمود الدولة الفتية للمكايد والصدمات أكسبها سمعة في جهات متعددة من بلاد الإسلام . فاتجهت إليها الأنظار وقصدتها الوفود والمهاجرة من أفريقية والأندلس بالخصوص فيذكر القرطاس هجرة خمسمائة فارس من القيسية والأزد ومدلج وبني يحصب والصدف وغيرهم . وترتب عن تلك الهجرة نتيجتان :
1. إدخال العنصر العربي للدائرة المحيطة بإدريس لأنه ´´كان فريدا بين البربر ليس معه عربي´´. حسب تعبير القرطاس .
2. تضخم عدد السكان بمدينة وليلي الشيء الذي دفع بإدريس ومستشاريه إلى التفكير في الانتقال إلى فاس .
هل كان إدريس الثاني هو المؤسس لمدينة فاس كما تؤكد ذلك رواية القرطاس أم الذي بدأ بتأسيسها هو إدريس الأول كما تؤكده حجج تاريخية أخرى لا سبيل لتجاهلها ؟ الظاهر من البحث التاريخي الحديث أن إدريس الثاني إنما كان مؤسسا لمدينة ثانية تحاذي المدينة الأولى وهي عدوة القرويين التي استقر بها مهاجرة أفريقية من مدينة القيروان وهي المدينة المدعوة العالية في مجموعة من الدراهم حدث سكها بعد بيعة إدريس الثاني. وقد شرع في بناء عدوة القرويين في 1 ربيع الأول 193 (22 يناير 809 م ). وعن تفاصيل هذا الموضوع التاريخي الهام من الأفضل الرجوع إلى مادة فاس في معلمة المغرب.
ولعل القالب الجديد الذي دخلت فيه الدولة الإدريسية بتوافد عدد كبير من العرب إليها وخروجها شيئا فشيئا من الروابط القبلية الأولى التي شاهدت ميلادها أحدث نوعا من الاستياء لدى قبيلة أوربة القوية . فإذا أضفنا إلى ذلك الدسائس التي كان يدبرها ابن الأغلب لإضعاف الدولة الإدريسية إن لم يكن للقضاء عليها ، والتي منها إثارة التنافر بين إدريس والبربر لأسباب عرقية ، فهمنا كيف تعرضت الدولة آنذاك لبعض المشاكل التي لم يمكن حسمها إلا بالقوة . وقد ربط ابن الأغلب خيط الاتصال مع إسحاق الأوربي الذي كان من المؤسسين الأوائل للدولة ، وحرضه على إدريس الثاني، متذرعا بميل هذا الأخير إلى الوافدين العرب الجدد. فأثار حفيظة إسحاق وقومه ، الذين أخذوا يتآمرون عليه . فما كان من إدريس إلا أن تصدى للمتآمرين بقمعهم وقتل زعيمهم إسحاق سنة 192هـ.
والظاهر أن إدريس لم يكن يريد استبعاد أوربة أو الاستغناء عنهم ، كما يفهم من تأويل القرطاس لأنه رغب من بعد في استمالتهم من جديد. وإنما كان قصده أن يحول دولته من الإطار القبلي إلى الإطار الإسلامي بالاعتماد على مساعدين لهم علم وخبرة بالنظم الإسلامية وتقاليدها. ولذلك ، فإنه اتخذ من عمير بن مصعب الأزدي وزيرا له ، ويذكر عنه القرطاس أنه ينتمي لأسرة عريقة في خدمة الدولة الإسلامية . كما عين عامر بن محمد القيسي، قاضيا "وكان رجلا صالحا ورعا فقيها سمع من مالك وسفيان الثوري وروى عنهما كثيرا" (ص 20) واتخذ من عبد الله بن مالك الخزرجي الأنصاري كاتبا له . ولا شك أن هناك أسماء أخرى غفلت عن ذكرها المصادر.
ومن المعلوم أن الأدارسة قاموا بمناوأة الخلافة العباسية . فكان لا بد لهم من أن ينظموا دولتهم على غرارها وأن يتخدوا لأنفسهم دواوين يضعون على رأسها رجالا ذوي خبرة وسمعة في المجتمع الإسلامي المعاصر. وطبيعي أن لا تروق هذه السياسة أنصار الدولة الأولين من أوربة وغيرهم وأن تحدث من جراء ذلك مصاعب وأن يحاول ابن الأغلب استغلال التناقضات التي برزت في صفوفهم . وليس من المستعبد أن يكون القيروانيون الذين غادروا أفريقية وقصدوا إدريس من العناصر المعارضة للخلافة العباسية ولولاتها الأغالبة ، وهذا ما زاد في حنق إبراهيم على إدريس ودفعه إلى الكيد به .
وتجلى ذلك في خطة لا تخلو من أسلوب الجاسوسية ، إذ أخذ يتصل سرا بأقرب رجل إلى إدريس بهلول بن عبد الواحد المدغري، الذي كان وزيره المخصوص بثقته و"االقائم بأمره" فأخذ يوغر صدره على إدريس ويزين له الثورة عليه ويغريه بالمال ويحثه على "ترك طاعة إدريس إلى طاعة هارون". وعلى إثر مراسلات عديدة بين الرجلين ، تخلى بهلول عن إدريس والتحق بالقيروان عند ابن الأغلب الذي عد الحدث انتصارا وطير به الخبر إلى الرشيد في بغداد.
حاول إدريس عبثا أن يستعيد ولاء بهلول إليه ، فتضايق من دسائس ابن الأغلب وكتب إليه يستعطفه ويرجوه أن يكف عنه . والظاهر أن حاشية ابن الأغلب كانت تضم عناصر يعطفون على آل البيت وينصحون أميرهم بالاعتدال والكف عن إذاية إدريس .
وفي نفس السياق ، يمكننا أن نتساءل عن مصير شخص آخر مهم وهو أبو خالد يزيد العبدي الذي رأيناه يحل محل راشد في الوصاية على عرش إدريس . والظاهر أن أيامه لم تطل في الوفاق مع هذا الأخير بعد أن تسلم مقاليد الأمور.
كل هاته المشاكل لا يصح إلقاء المسؤولية فيها كاملة على الأشخاص ، بل هي ناشئة ، قبل كل شيء، عن مشروع مهم وجديد، ألا وهو المحاولة الجريئة التي تصدى لها كل من إدريس الأول وإدريس الثاني ألا وهو بناء دولة كبيرة بالمغرب على النسق الإسلامي. وطبيعي أن يصطدم مشروع كهذا بنظام اجتماعي متقادم مبني على القبلية وبعادات وأعراف وعقليات مختلفة عن التصور الجديد الذي أتى به الإسلام .
ومع ذلك ، فقد نجح المشروع إلى حد كبير إذا اعتبرنا أن نموذج الدولة الإسلامية بالمغرب انطلق من تلك التجربة الأولى وأن المغاربة سيستوعبون درسها جيدا بعد أن خرجوا من طور المفاجأة الأولى.
وتشير الروايات التاريخية ، من جهة أخرى، إلى أن إدريس تحرك هو، أيضا ، بجيشه لتوطيد نفوذ دولته بالمغرب ، وتجاوز الحدود التي كان قد وصل إليها والده . فتقدم نحو الأطلس الكبير، واستولى على مدينتي نفيس وأغمات وأقام نفوذ الدولة في بلاد مصامدة الجنوب ، وكان ذلك فى سنة 197 / 812. ثم اتجه بعد ذلك إلى الشرق نحو نفزة وتلمسان التي دخل إليها وأنجز فيها بعض البناءات وأقام بها ثلاث سنين .
وتؤكد لنا دراسة البقايا من النقود الإدريسية الأماكن التي بلغ إليها نفوذ الدولة في عهد إدريس الثاني، وهي الأماكن التي وجدت بها دور السكة . إذ نجد عددها يبلغ ستة عشر وفيها مدن مثل أصيلا والبصرة وتدغة وتلمسان وتهليت وسبو وطنجة والعالية (فاس) ومريرة (مريرت الحالية) . وورغة ووازقور (ناحية أم الربيع ) وطيط ووليلي وايكم . هذه الأسماء تدلنا ، ولو نسينا ، على مدى اتساع المملكة التي كان يحكمها إدريس الثاني، وتبين لنا أن هذا الأمير كان يسير بخطى وئيدة في تنفيذ خطة أبيه الذي كان يهدف إلى تأسيس دولة كبيرة ينافس بها دولة العباسيين .
إلا أن هؤلاء كانوا واعين بخطر الأدارسة وحذرين منه أشد حذر، ولذلك ، فإنهم ظلوا يحرضون الأغالبة على الكيد لهم . وهكذا مات إدريس فجأة في 10 جمادى الآخر سنة 213 (29 غشت 828) في العهد الذي كان فيه زيادة الله بن الأغلب واليا على أفريقية ، وكان سن إدريس عند وفاته ستا وثلاثين سنة .
ولئن ذكر القرطاس أن سبب موته هو أنه شرق بحبة عنب ، فإن مصادر أخرى مثل البكري وابن عذاري تذكر أنه مات مسموما . بل إن ابن الأبار يؤكد أن "زيادة الله احتال عليه حتى اغتاله " الحلة السيراء .
وبموت إدريس ينتهي طموح الأدارسة إلى تأسيس دولة قوية موحدة ، ويدب إليهم الانقسام والتشتت شيئا فشيئا . فتبدأ صفحة غير وضيئة في تاريخهم .
المراجع : أ. البكري، المغرب ، الجزائر 1985 ؛ ا. ابن عذاري، البيان ج 1، بيروت 1948 ؛ ع. ابن أبي زرع، القرطاس ، الرباط 1973 ؛ أ. ابن الأبار، الحلة السيراء، القاهرة ء 1963 ؛ أ. الجزنائي، زهرة الآس ، الرباط ؛ ل ، ابن الخطيب ، أعمال الأعلام ، الدار البيضاء 1964 ؛ ع. ابن خلدون ، العبر، بيروت 1959 ؛ النويري، تاريخ المغرب الإسلامي، الدار البيضاء 1984 ؛ م . إسماعيل ، الأغالبة ، فاس 1978 ؛ إ. العربي، دولة الأدارسة ، بيروت 1983.
E.I., 2e éd. ; D. Eustache, Le corpus des dirhams Idrissides, Bulletin de la Société d’histoire du Maroc n° 2, 1969 محمد زنيبر
الأدارسة:
 يطيب لي أن أتابع الحديث عن سلالة الأدارسة الشرفاء بالمغرب بنقل ترجمة بعض مشاهيرهم بتسلسل حسب ما ورد في عمود نسب الشرفاء العلميين الذين أنتسب إليهم. ويفسر هذا مدى اهتمامي الخاص بسيرة الأجداد منهم والتنقيب عن أخبارهم. وبعد ترجمة إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ، يأتي الحديث على المولى إدريس الأزهر (الثاني) بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل نقلا عن "معلمة المغرب" ص 259 – 261 من ج 1 مادة : إدريس الأزهر، بقلم محمد زنيبر.
 أسرة كبيرة من آل البيت جدها الأعلى هو إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول . التجأ إدريس، كما هو معلوم، إلى المغرب فرارا من بطش العباسيين وأسس دولته لكنه اغتيل فتولى بعده ابنه إدريس الذي كان قد تركه جنينا في بطن أمه. وعن إدريس الثاني تنحدر فروع الأسرة الإدريسية المنتشرة بسائر أنحاء المغرب وبجهات أخرى من الجزائر. ونركز اهتمامنا هنا على الأدارسة كأسرة حاكمة أي كدولة. وجودها يقترن بالفترة 172. 375/ 990.785. لكن لابد من التمييز داخل هاته الفترة بين أطوار مختلفة :
1. طور التأسيس الذي اقترن بعهد إدريس الأول (172 . 177 / 788. 793 ) أي قيام الدولة بالتفاف فريق مهم من سكان المغرب حول إدريس تضمهم قبائل كبرى ومبايعتهم له ، حسب التقاليد الإسلامية.
2. طور الهيكلة والتنظيم ويقترن بعهد إدريس الثاني (177. 213./ 793. 828) حيث جرى تدعيم الدولة الناشئة باستحداث عدد من البنيات والمؤسسات كان من أهمها : بنا ء فاس واتخاذها كعاصمة للدولة ؛ واتخاذ بعض النظم الإسلامية كالوزارة والكتابة والقضاء والإمامة ؛ وتجريد العاصمة الجديدة من تأثير العصبيات والطابع القبلي، وذلك باحتضانها لفئات مهمة من السكان الوافدين من القيروان والأندلس ، مما جعل العناصر المختلفة من سكان المدينة تنصهر في وحدة بشرية تمثل ، بوجه عام ، التركيب السكاني الجديد الذي بدأ يعم الغرب الإسلامي انطلاقا من عهد الفتح . إضافة إلى بداية إشعاع اللغة العربية من فاس كلغة دين وثقافة ؟ ونمو رقعة المملكة بحيث أصبحت أهم كيان سياسي بالمغرب الأقصى وكان لها اتصال مباشر بسائر النواحي في البلاد .
3. طور التقسيم : ترك إدريس الثاني غداة وفاته عدة أولاد منهم الكبار والصغار وتولى أكبرهم محمد خلافته ، إلا أنه اعتبر المملكة التي تركها له أبوه إرثا لا بد من توزيعه على الورثة. هل استند في ذلك إلى المبادئ الشرعية ؟ أم هل استمع إلى نصيحة جدته كنزة كما تذكر بعض المصادر؟ أم هل كان المقصود من ذلك التوزيع هو حضور الدولة الإدريسية بصورة مباشرة في أقاليم مختلفة ؟ ليست لدينا عناصر كافية للجواب على هذا السؤال . والذي نستطيع تأكيده هو أن التقسيم كانت له سلبيات وايجابيات. فتقسيم المملكة إلى عدة ولايات أدى إلى إضعاف السلطة المركزية ونشوء إمارات إقليمية تنزع بطبيعتها إلى الاستقلال الذاتي على أوسع مدى. وقبل إعطاء مثال على المشاكل التي ترتبت عن ذلك التوزيع ، من الضروري إعطاء صورة إجمالية عن التوزيع.
قسم محمد بن إدريس المملكة إلى ما لا يقل عن تسع ولايات، نذكرها الآن حسب رواية القرطاس ، منبهين إلى وجود اختلافات طفيفة بين المصادر التي تناولت الموضوع .
1.     محمد بن إدريس فاس وناحيتها .
2.     القاسم بن إدريس طنجة وسبتة وقلعة حجر النسر وتطوان وبلاد مصمودة وما والاها.
3.     داود بن إدريس هوارة وتسول ومكناس وجبال غياثة وتازة .
4.     عيسى بن إدريس شالة وسلا وأزمور وتامسنا .
5.     يحيى بن إدريس البصرة وأصيلا والعرائش إلى بلاد ورغة .
6.     عمر بن إدريس مدينة تيكساس ومدينة ترغة وبلاد صنهاجة وغمارة .
7.     أحمد بن إدريمس مدينة مكناسة وبلاد فازاز ومدينة تادلا.
8.     عبد الله بن إدريس أغمات وبلاد نفيس وبلاد المصامدة وسوس .
9.     حمزة بن إدريس تلمسان وأعمالها .
تلك هي الولايات التسع التي تدل على مدى امتداد الدولة الإدريسية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وهي معلومات تؤكدها كل المصادر التاريخية كما تؤكدها الأبحاث الخاصة بتاريخ النقود الإدريسية . فالدراسة المهمة التي قام بها "دانييل اوستاش" في هذا الصدد تقدم لنا قائمة بدور السكة تعنى الأماكن التالية : أصيلا، البصرة ، تدغة ، تلمسان ، تهليت ، سبو، طنجة ، العالية ، مريرة ، ورغة ، وازقور، واطيط ، وليلي، إيكم .
لم يكن توزيع الولايات على هاته الصورة ، في نية محمد بن إدريس ، يهدف إلى تجريد السلطة المركزية بفاس من حقها في مراقبة الولاة الإقليميين والمحافظة على وحدة المملكة الإدريسية . لكن الخلاف ما لبث أن نشب بين الإخوة ، إذ ثار عيسى بن إدريس ، على أخيه محمد، فكلف هذا الأخير أخاه القاسم الوالي على طنجة بالذهاب لمعاقبة الثائر. لكن القاسم رفض القيام بالمهمة . فكلف محمد عمر بها . فتوجه هذا الأخير الذي كان واليا على غمارة وعزل عيسى عن ولايته كما تصدى للقاسم الذي التجأ إلى أصيلا.
لم تذكر المصادر المكتوبة أسباب الخلاف . ولكن يظهر حسب التحريات التي قام بها "أوستاش" أن أسباب الثورة راجع لكون محمد سحب عن الولاة رخصة سك النقود . وكان عيسى حاكما على منطقة وازقور التي يوجد بها معدن مهم للفضة . فلم يرضخ لهذا القرار الذي يحرمه من مورد مالي مهم ، عن طريق سك الدراهم . وترتب عن ذلك قراره بقطع إمداد دار السكة بفاس بمعدن الفضة .
وهكذا نشب الخلاف ، إلا أنه لم يؤد ، مع ذلك ، إلى تقاطع . والظاهر أن الصلح وقع بعد ذلك بين الإخوة . والجدير بالذكر هو حصول نوع من الاستقرار السياسي داخل الإمارات الإدريسية المنتشرة بأنحاء المغرب . فلم تسجل ثورات للسكان ولا معارضة للقبائل . هل يرجع ذلك إلى التقديس الذي حظيت به الأسرة في أعين المغاربة المعاصرين أم إلى أسباب أخرى ؟
الملاحظ هو اندماج الأسرة الإدريسية في المجتمع المغربي عن طريق المصاهرة والتطبع بأخلاق أهل البلاد مما جعل السكان في مختلف الأقاليم لا يتعاملون معهم كأجانب ودخلاء، بل يعتبرونهم منهم ويحترمونهم ويضعونهم في الصدارة لشرف نسبهم . ويمكننا أن نعتبر أن احترام الشرفاء كسلوك شعبي بدأ منذ ذلك العهد يتحول إلى مبدإ سياسي بعد ذلك بعدة قرون . ومع تكون عدة إمارات إدريسية ، يصبح تاريخ الأدارسة متشعبا . وسنقتصر هنا على ذكر أهم الأحداث والأشخاص .
4 . الأدارسة بفاس : ظلت فاس هي الحاضرة المركزية للدولة وتولى فيها عدد من الأمراء نذكرهم بالتتابع :
أ . علي بن محمد بن إدريس (221 . 234 هـ) تذكر المصادر أنه سار بسيرة أبيه وجده وأن أيامه كانت أيام سلام ورخا ء.
ب . يحيى بن محمد : أخو السابق (234.. 249هـ) في أيامه كثرت العمارة بفاس وتوافد إليها المهاجرون من جميع جهات الغرب الإسلامي، مما دعا إلى توسيع المدينة والبناء في أرباضها . وفي عهده بني المسجدان المشهوران : جامع الأندلس وجامع القرويين .
ج . يحيى بن يحيى (249. 252هـ) في عهده حدثت أزمة بسبب سوء سيرته وثار عليه عبد الرحمن بن أبي سهل الجذامي واستولى على عدوة القرويين ومات يحيى في تلك الأثناء وجاء صهره علي بن عمر فاستولى على المدينة وتولى الإمارة . د . علي بن عمر : لا تحدد المصادر تاريخ ولايته بعد فترة من الاستقرار، اصطدم بثورة عبد الرزاق الفهري الخارجي وهزمه واضطر للالتجاء إلى أوربة ، بينما دخل عبد الرزاق إلى عدوة الأندلس فاستولى عليها إلا أنه صادف مقاومة من لدن عدوة القرويين التي نادى أهلها على يحيى بن القاسم بن إدريس .
هـ . يحيى بن القاسم بن إدريس (المتوفى سنة 292هـ) استطاع أن يحافظ على وجود الدولة الإدريسية بفاس حيث طرد عبد الرزاق الخارجي من عدوة الأندلس وخرج لمقاتلة الصفرية . والظاهر أنه قضى عهده في مباشرة الحروب إذ نجده يسقط صريعا في ساحة الوغى وهو يقاتل ربيع بن سليمان سنة 292.
و . يحيى بن إدريس بن عمر ( 292. . 309 هـ) تطنب المصادر في الثناء عليه . فابن خلدون ينعته أنه ´´كان أعلى بني إدريس ملكا´´ بينما يصفه روض القرطاس بقوله : ´´كان يحيى هذا أعلى بني إدريس قدرا وصيتا وأطيبهم ذكرا وأقواهم سلطانا ( . . . ) وكان فقيها حافظا للحديث ذا فصاحة وبيان ولسان ومع ذلك كان بطلا شجاعا حازما".
إلا أن المصادر لا تذكر شينا عن أعماله ، وذلك ، ولا شك ، لأن أحداثا خطيرة جاءت لتهدد الدولة الإدريسية في وجودها . فقد قامت الدولة الفاطمية بأفريقية في أواخر القرن الهجري الثالث وسعت لأن تبسط سيطرتها على مجموع بلاد المغرب .
وهكذا جاء، مصالة بن حبوس المكناسي، عامل الفاطميين على المغرب الأوسط ، على رأس جيش لمحاربة الأدارسة ، وجرت بينه وبين يحيى معركة قرب مكناس انتهت بهزيمة الأمير الإدريسي. وبعد ما ضرب عليه مصالة الحصار بفاس ، اضطر إلى الاستسلام وتوصل مع خصمه إلى صلح ، أمكنه بمقتضاه أن يحتفظ بإمارته مقابل إعلانه الخضوع والتبعية للخليفة الفاطمي.
إلا أن مصالة أسند في نفس الوقت رئاسة قبيلة مكناسة بالمغرب إلى ابن عمه موسي بن أبي العافية . فاجتهد هذا الأخير منذ ذلك الوقت في القضاء على الأدارسة . وأخذ يحرض مصالة على يحيى ويوغر صدره عليه . وهكذا تمكن بدسائسه من أن يحمل مصالة على اعتقال يحيى وأنصاره ثم نفاه إلى أصيلة . وانتهت حياة يحيى بمأساة إذ سجن عشرين سنة ثم مات جوعا وهو في طريقه إلى إفريقية سنة 332 هـ.
ومنذ انهزام يحيى قام صراع مرير بين موسى ابن أبي العافية والأدارسة . فقد حاول الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس المعروف بالحجام أن يسترجع سلطة الأدارسة ، فاستولى على فاس وخرج لمحاربة موسى وانتصر عليه في جولة أولى. لكن موسى أعاد الكرة عليه وطارده إلى فاس حيث غدر به عاملها ومات الحسن في تلك الأثناء.
خلا الجو بعد ذلك لموس ابن أبي العافية واستطاع أن يستولي على ما كان بيد الأدارسة من أراض في شمال المغرب وطاردهم وضيق عليهم الخناق حتى اضطروا إلى الاعتصام بحصن منيع في حجر النسر بجبال الريف. والواقع أن المأساة التي عاشها الأدارسة في تلك الآونة راجعة إلى الصراع الكبير الذي نشب بين الخلافتين الفاطمية بإفريقية والأموية بالأندلس ، وكان مسرح هذا الصراع بلاد المغرب ، وبخاصة المغرب الأقصى.
وحاول الأدارسة أن يحافظوا على استقلالهم وحيادهم في الحرب الضروس الدائرة بين الطرفين . لكنهم ، بسبب ضعفهم وبسبب الضغوط العسكرية القوية التي تعرضوا لها ، تارة من جهة الفاطميين ، وطورا من جهة الأمويين ، لم يجدوا بدا من الخضوع ، حسب الظروف ، تارة لأولئك وتارة لهؤلاء. ولعل ارتباطهم بالأمويين كان أقوى، نظرا لقصر المسافة بين المغرب والأندلس ، ولكون الخلفاء الأمويين ربما عاملوا زعماء الأدارسة بشيء من التقدير والاحترام . والوضع الذي عرفه الأدارسة في تلك الآونة هو نفس الوضع الذي عاشه غيرهم من زعماء البربر مثل موس بن أبي العافية المكناسي وأولاده.
وبرغم الاضطهاد والمضايقات التي تعرض لها الأدارسة طوال مدة لم تكن بالقصيرة أثناء القرن الرابع ، فقد برهنوا على أن وجودهم أصبح متجذرا في عدة أنحاء من المغرب ، وأنهم ظلوا يكونون قوة سياسية متمثلة في زعامات محلية نستطيع أن نذكر منها :
أ . بني عمر : الذين كان مقر نفوذهم في صدينة ببلاد صنهاجة جنوبي الريف . واليهم ينتسب الحموديون ، الذين تولوا الخلافة بقرطبة ، ثم كانوا من جملة ملوك الطوائف بالأندلس .
ب . بنى داود : الذين امتد نفوذهم في جهة وادي سبو، ومن أمرائهم حمزة بن داود .
ج . بني القاسم : ويمثلون فرعا مهما من الأسرة إذ امتد نفوذها في الهبط . فكان لها مركز بالبصرة وآخر بأصيلا. ومن أبرز أمرائهم إبراهيم بن القاسم .
د . بني عيسى : الذين كان مقرهم بوازقور في جهة الأطلس المتوسط . وكانوا يتوفرون على معدن الفضة بجبل عوام .
هـ . بني عبيد الله : الذي سيحل بجنوب المغرب ، حيث ستنتشر ذريته . واليه يعزى تأسيس مدينتين مهمتين : تامدولت ، الواقعة في قدم السفح الجنوبي للأطلس الصغير وبها معدن الفضة ، وإگلي التي جعل منها عاصمته بعد استيلائه على سوس . وسيمتد نفوذه إلى لمطة ومشارف الصحراء جنوبا وإلى أغمات ونفيس شمالا. ويمكن القول إن هاته الأسرة كان لها نفوذ روحي قبل كل شيء في المنطقة المذكورة .
و. ومن فروع العلويين المتصلين بالأدارسة ، نذكر بني سليمان بن عبد الله وهو أخو إدريس الأول . وتختلف الروايات في شأنه هل قتل في معركة فخ أم هل تمكن من الفرار ونجح في الوصول إلى تلمسان. ومهما يكن ، فإن ولده محمد تتفق المصادر على ذكر اسمه كأمير على تلمسان وما حولها من أقاليم في المغرب الأوسط . وهو الذي قدم عليه إدريس الثاني ليستلحق إمارة تلمسان بمملكة الأدارسة ، وتركه على رأسها . وعن محمد بن سليمان تفرعت عدة فروع انتشرت بجهات مختلفة من المغرب الأوسط . إلا أن المصادر تشح كثيرا ، بالأخبار عن هاته الأسرة المرتبطة بالأدارسة .

نهاية الأدارسة بالمغرب

برغم المصائب التي توالت على الأدارسة منذ تصدى لهم موسى ابن أبي العافية ، فقد أمكنهم أن يصمدوا وأن يحافظوا على وجودهم السياسي على يد بني القاسم بن إدريس. فقد اتفق الأدارسة على تولية القاسم بن محمد بن القاسم ابن إدريس واستمر في إمارته إلى أن توفي سنة 337 هـ. فتولى بعده ولده أبو العيش أحمد. وتميز بالعلم والفقه والورع . وكان مواليا لبني أمية الذين ازداد نفوذهم توطدا بالمغرب . وفضل أبو العيش أن ينهي حياته مجاهدا ، إذ توجه للأندلس حيث استشهد في ساحة القتال سنة 343 هـ. فكان الذي خلفه بعد انصرافه إلى الجهاد أخوه الحسن بن گنون. وفي عهده وقع هجوم جديد للفاطميين على المغرب كان الهدف منه استرجاع سطوتهم على البلاد . فاضطر الحسن أمام قوة الهاجمين إلى التحول بولائه إلى جهة المهاجمين . لكنه لم يتخذ ذلك الموقف إلا تقية ، إذ رجع بولائه إلى الأمويين بمجرد انصراف جيوش الفاطميين عن المغرب .
وبعد مدة ، جاء جيش فاطمي آخر بقيادة بلكين بن زيري. فاضطر الحسن ، مرة أخرى، إلى نفض يده من بيعة الأمويين وتجديد بيعته للفاطميين . وفي هذه المرة انضم إلى معسكر الفاطميين بصورة فعالة وساهم في التنكيل بأنصار الأمويين في البلاد مما أحقد عليه الخليفة المرواني الحكم المستنصر الذي وجه جيشا كبيرا إلى المغرب للانتقام منه وبعد معارك ضارية ، اضطر الحسن للالتجاء إلى حجر النسر ثم للاستسلام والذهاب مع ذويه إلى قرطبة ( 363 هـ / 974 ) لكن ، ما لبث أن حدثت نفرة بينه وبين الحكم بعد سنتين من إقامته بقرطبة . فنفاه الخليفة الأموي هو وذويه عن الأندلس فالتجأوا إلى الفاطميين بمصر، حيث وجدوا استقبالا حسنا وظلوا هنالك إلى غاية 373. وحينئذ أمر الخليفة الفاطمي بتجهيز الحسن بجيش ليذهب إلى المغرب ويستعيد إمارته باسم الفاطميين . لكن المنصور بن أبي عامر بعث لقتاله جيشا قويا . فاضطر إلى طلب الأمان . لكن المنصور لم يف له وأمر باغتياله وهو في الطريق إلى قرطبة (375 / 985) . وبذلك ´´انقرضت أيام الأدارسة بالمغرب بموت الحسن بن كنون آخر ملوكهم ´´. (القرطاس ص 94) .
بالرغم على التدهور الذي حصل للأدارسة طوال أزيد من قرن ، يمكن القول أنهم قاموا بدور أساسي في تاريخ المغرب :
1.     . على أيديهم تم تحويل المغرب ، بصورة فعالة إلى عهد الإسلام الذي عملوا على نشره في أنحاء مختلفة من البلاد.
2.     . بمبادرتهم جرت أول محاولة لتجاوز القبلية وذلك بتأسيس دولة على النمط الإسلامي لها حاضرتها فاس . فكان عملهم أول انطلاقة فعلية للدولة المغربية في التاريخ.
3.     . مجهودهم على المستوى العمراني باستحداث مدن جديدة أو انعاش القديمة مع تنشيط الحركة التجارية وإنشاء عدد مهم من دور السكة في جهات مختلفة من المغرب .
المراجع
·        ابن حزم ، جمهرة الأنساب ؛
·        ابن حيان ، المقتبس ، ج 4 و 5 ؛
·        البكري، المغرب ؛
·        الإدريسي ، نزهة المشتاق ؛
·        ابن عذاري، البيان المغرب ج 1 ؛
·        ابن أبي زرع، القرطاس ؛
·        ابن خلدون ، العبر ؛
·        ابن الخطيب ، أعمال الأعلام ؛
·        الجزنائي، زهرة الآس ؛
·        أ. الناصري، الاستقصا ؛
·        ا. العربي، دولة الأدارسة.
·        معلمة المغرب ج1 ص 217-219 (بقلم محمد زنيبر)
Encyclopédie de l’Islam, article Idrissides ; Le Tourneau, Fès avant le Protectorat ; H. Terrasse, Histoire du Maroc ; D. Eustache, Le corpus des dirhams Idrissides : J. Brignon et autres, Histoire du Maroc.

 
معركة فخ.. ميلاد الأدارسة
(في ذكرى نشوبها: 8 من ذي الحجة 169هـ)

أحمد تمام


لم تنقطع ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين بن علي في معركة كربلاء، في العاشر من المحرم سنة 61هـ، وكانت نتيجة هذه المعركة مأساة أدمَتْ قلوب المسلمين حزنًا على الحسين، ريحانة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبعد أكثر من نصف قرن من مقتل الحسين أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الأموي  سنة 121هـ، وتكررت المأساة نفسها؛ فلم يكن معه من القوة والرجال ما يضمن له النجاح والظفر، لكنه انخدع ببيعة أهل الكوفة، حتى إذا جدّ الجدَّ وظهرت معادن الرجال انفضوا عنه وتركوه يلقى مصيره المحتوم أمام يوسف بن عمر الثقفي والي الكوفة الذي نجح في القضاء على تلك الثورة، وقتل مفجرها زيد بن علي.
ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة، وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة، ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة "محمد النفس الزكية"، الذي كان معروفًا بالتقوى والفضل وفي مقدمة سادات بني هاشم خلقًا وعلمًا وورعًا، وانتهت ثورته باستشهاده سنة (145هـ = 762م)، ولم تكن ثورة أخيه إبراهيم أفضل حالاً من ثورته، فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له الأمر.
معركة فخ بالقرب من مكة
وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ما قبلها من ثورات، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ = 11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلاثة أميال، وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين، ومقتله هو وجماعة من أصحابه.
نجاة إدريس بن عبد الله

زاوية إدريس بن عبد الله
وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبد الله بن الحسن"، واتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وكان شجاعًا عاقلاً وفيًا لسيده، وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ لا لمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدة لهما.
ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذا الخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب. وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمر فإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد.
رحلة شاقة
وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ = 786م)، وأقاما بها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا "وادي ملوية"، ودخلا بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلى"، وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامين.
في وليلى
وبعد أن استقر إدريس في وليلى (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلى"، فلما اطمأن إليه إدريس عرفه بنسبه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه؛ نجاة بنفسه من بطش العباسيين، وقد رحب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة، حتى إذا حل شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة، وعرفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكرمه وأخلاقه وعلمه؛ فرحبوا جميعًا به، وأعربوا عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ = 15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبد الحميد" طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم.
وتبع ذلك دعوة لإدريس بين القبائل المحيطة، فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة، وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وباعيته على السمع والطاعة، واعترفت بسلطانه، وقصده الناس من كل مكان.
استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ورسخت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح في مدّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعد جيشًا كبيرًا زحف به نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول في كل بلاد "تامسنا" فأخضعها، وأتبع ذلك بإخضاع إقليم "تاولا"، وفتح حصونه وقلاعه، وأدخل كثير من أهل هذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى "وليلى" للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ = مايو 789م)، ثم عاود حملته الظافرة عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربرية التي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم رجع إلى وليلى في (15 من جمادى الآخرة 173هـ = 10 من أكتوبر 789م).
فتح تلمسان.. وبناء مسجدها
أقام إدريس بن عبد الله شهرًا في وليلى، ثم عاود الفتح، واتجه ناحية الشرق هذه المرة، عازمًا على توسيع ملكه في المغرب الأوسط على حساب الدولة العباسية، فخرج في منتصف رجب 173هـ = نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان، وفي أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة"، ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز"، وأعلن خضوعه له دون قتال، وبايع إدريس بن عبد الله، وتبعته قبائل: مغراوة وبني يفرده.
ولما دخل الإمام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا للمدينة جامعًا، وصنع منبرًا جميلاً كان يحمل نقشًا يحدد تاريخ إنشائه، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر 174هـ، وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ، ثم كرَّ راجعًا إلى عاصمة ملكه.
نهاية الإمام إدريس

ضريح إدريس بن عبد الله
ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلافة العباسية حتى فزع الخليفة هارون الرشيد، وشعر بالقلق والذعر من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد الله، الذي نجح فيما فشل فيه غيره من أبناء البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية، ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزو أفريقية (تونس)، ففكر في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب تدخلت الأقدار، وأراحته مما كان يفكر فيه، فتوفي إدريس بن عبد الله في (سنة 177هـ = 793م) على أرجح الروايات، بعد أن نجح في تحدي الصعوبات، وأقام دولة عُرفت باسمه "دولة الأدارسة" بعيدًا عن وطنه بين قبائل متطاحنة تعتز بعنصريتها، وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها على من حولها، وهذه تُحسب له، وتجعله واحدًا من كبار رجال التاريخ. ويضاف إليه أن المغرب مدين له في نشر الإسلام في أماكن لم يكن قد وصل إليها من قبل.
من مصادر الدراسة:
·                 ابن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار المعارف – القاهرة – 1977م.
·                 إسماعيل العربي: دولة الأدارسة – دار المغرب الإسلامي – بيروت – 1403هـ = 1983م.
·                 سعد زغلول عبد الحميد: تاريخ المغرب العربي – منشأة المعارف – الإسكندرية – 1995م.
·                 حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته – العصر الحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412هـ = 1992م.
·                 السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير (العصر الإسلامي) – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 1966م.

"الزلاقة" معركة الوجود الإسلامي في الأندلس
(في ذكرى المعركة: 12 رجب 479 هـ)

مصطفى عاشور



سقطت الخلافة الأموية في الأندلس إثر سقوط الدولة العامرية سنة (399هـ = 1009م) وتفككت الدولة الأندلسية الكبرى إلى عشرين دويلة صغيرة يحكمها ملوك الطوائف، ومن أشهرهم: بنو عباد في أشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة، وزعمت كل طائفة من هذه الطوائف لنفسها الاستقلال والسيادة، ولم تربطها بجارتها إلا المنافسة والكيد والمنازعات والحروب المستمرة، وهو ما أدى إلى ضعف، وأعطى الفرصة للنصارى المتربصين في الشمال أن يتوسعوا على حسابهم.
وفي مقابل التجزئة والفرقة الأندلسية في عصر الطوائف كان النصارى يقيمون اتحادًا بين مملكتي ليون وقشتالة على يد فرديناد الأول الذي بدأ حرب الاسترداد التي تعني إرجاع الأندلس إلى النصرانية بدلاً من الإسلام.
وواصل هذه الحرب من بعده ابنه ألفونس السادس، حيث بلغت ذروتها مع استيلاء ألفونس على مدينة "طليطلة" سنة (478هـ = 1085م) أهم المدن الأندلسية وأكبر قواعد المسلمين هناك، وكان سقوطها نذيرًا بأسوأ العواقب لبقية الأندلس؛ ذلك أن ألفونس قال صراحة: إنه لن يهدأ له بال حتى يسترد بقية الأندلس ويُخضع قرطبة لسلطانه؛ وينقل عاصمة ملكه إلى طليطلة.
وكان أسوأ ما في هذه الكارثة المروعة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبُّوا لنجدة طليطلة أو مساعدتها، بل على العكس وقفوا موقفًا مخزيًا حتى إن بعضهم عرض على ألفونس تقديم العون والمساعدة، ورأى البعض الآخر أنه لكي يستمر في حكم مملكته آمنًا يجب أن يوثق أواصر الصلة والمودة مع ألفونس ويحالفه ويقدم له الجزية السنوية، بل شاركت بعض قوات أمراء الطوائف في غزوة طليطلة، وقدم أحد هؤلاء الأمراء ابنته لتكون زوجة أو حظية لألفونس!!
ورأى ألفونس حالة الضعف والجبن التي يعاني منها أمراء الطوائف، والتي تعود في الأساس إلى ترفهم وخواء نفوسهم، وكرههم للحرب والجهد حتى إن كان ذلك هو السبيل الوحيد للكرامة والحفاظ على البقية الباقية من الدين والمروءة؛ لذا رأى ألفونس السادس ضرورة إضعاف ملوك الطوائف قبل القضاء عليهم نهائيًا؛ وكانت خطته في ذلك تقوم أولاً على تصفية أموالهم باقتضاء وفرض الجزية عليهم جميعًا، ثم تخريب أراضيهم وزروعهم ومحاصيلهم بالغارات المتتابعة، وأخيرًا اقتطاع حصونهم وأراضيهم كلما سنحت الفرصة.
ونجحت خطة ألفونس في ذلك كل النجاح، وبدا ضعف ملوك الطوائف أمامه واضحًا ملموسًا؛ فاستهان بهم واحتقرهم، وقال عنهم: "كيف أترك قومًا مجانين تسمَّى كل واحد منهم باسم خلفائهم وملوكهم، وكل واحد منهم لا يسِل للدفاع عن نفسه سيفًا، ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا"، وعاملهم معاملة الأتباع.
أصبح ألفونس بعد استيلائه على طليطلة مجاورًا لمملكة إشبيلية وصاحبها المعتمد بن عباد، وعندها أدرك المعتمد فداحة خطئه في مصانعة ألفونس ومحالفته واستعدائه على أمراء الطوائف الآخرين، ولاحت له طوالع المصير المروع الذي سينحدر إليه إذا لم تتداركه يد العناية الإلهية بعون أو نجدة غير منتظرة؛ لذا كان من الطبيعي أن تتجه أنظار ابن عباد إلى دولة المرابطين القوية الفتية بقيادة أميرها الباسل "يوسف بن تاشفين" ليستنجد به وتطلب منه النصرة ضد هؤلاء النصارى الذين تجمعوا من شمالي إسبانيا، فضلاً عن المتطوعين الذين قدموا من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
النزاع بين ألفونس السادس والمعتمد
بدأ النزاع بين الملكين سنة (475 هـ = 1082م) عندما وجه ألفونس سفارته المعتادة إلى المعتمد يطلب فيها الجزية السنوية، وكان على رأس السفارة يهودي يُدعى "ابن شاليب"، رفض تسلم الجزية بحجة أنها من عيار ناقص، وهدد بأنه إذا لم يقدم له المال من عيار حسن فسوف تُحتل مدائن إشبيلية.
ولمَّا علم المعتمد بما صدر عن اليهودي أمر بصلبه، وزج بأصحابه في السجن من القشتاليين، وعندما استشار الفقهاء استحسنوا ذلك الأمر؛ مخافة أن يتراجع المعتمد عن قراره بالصمود في وجه النصارى؛ أما ألفونس فقد استشاط غضبًا، وبعث سراياه وجنوده للانتقام والسلب والنهب، وأغار هو بجيشه على حدود إشبيلية وحاصرها ثلاثة أيام ثم تركها، والمعتمد يلتزم الدفاع طيلة هذه العاصفة الهوجاء من الغضب الصليبي.
الاستنجاد بالمرابطين
حشد المعتمد رجاله، وقوَّى جيشه، وأصلح حصونه، واتخذ كل وسيلة للدفاع عن أرضه بعدما أيقن أن ألفونس يعتزم العمل على إبادتهم جميعًا، وأن المسلمين بقدراتهم ومواردهم المحدودة لن يستطيعوا له دفعًا؛ لذا قرر المعتمد أن يستنصر بالمرابطين في المغرب لمقاتلة هؤلاء النصارى، وكانت دولة المرابطين دولة جهاد وحرب، غير أن هذا الرأي واجه معارضة من بعض الأمراء الذين رأوا في المفاوضات والصلح والمهادنة والسلام وسيلة للأمن والاستقرار، ورأوا في المرابطين عدوًا جديدًا قد يسلب ملكهم، وقال الرشيد لأبيه المعتمد: "يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدد شملنا"، فرد عليه المعتمد: "أي بني، والله لا يسمع عني أبدًا أني أعدت الأندلس دار كفر، ولا تركتها للنصارى، فتقوم اللعنة عليّ في الإسلام، مثلما قامت على غيري، رعي الجمال عندي- والله- خير من رعي الخنازير".
وناشد ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد بن عباد المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين لنجدتهم، بل إن المعتمد عبر إلى المغرب والتقى بابن تاشفين الذي وعده خيرًا، وأجابه إلى ما طلب واشترط لإجابة الدعوة والعبور إلى الأندلس أن يسلم إليه المعتمد ثغر الجزيرة الخضراء ليكون قاعدة للمرابطين في الذهاب والإياب، فوافق المعتمد على ذلك.
العبور إلى الأندلس
حشد يوسف بن تاشفين جنده وعتاده، ثم بعث بقوة من فرسانه بقيادة داود بن عائشة فعبرت البحر، واحتلت ثغر الجزيرة الخضراء، وفي (ربيع الآخر 479هـ = أغسطس 1086م) بدأت جيوش المرابطين تعبر من سبتة إلى الأندلس، وما كادت السفن تتوسط ماء مضيق جبل طارق حتى اضطرب البحر وتعالت الأمواج، فنهض "ابن تاشفين" ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه"؛ فهدأت ثائرة البحر، وسارت السفن في ريح طيبة حتى رست على الشاطئ، وهبط منها يوسف، وخرَّ لله ساجدًا.
قوبل بحفاوة بالغة هو وجنوده، وأمر قائده "داود بن عائشة" بالتقدم أمامه إلى بطليوس، كما أمر بأن توضع القوات الأندلسية كلها تحت قيادة المعتمد، وأن يكون لجند الأندلس محلتهم وللمرابطين محلتهم، وكان يوسف في تحركه شديد الحذر؛ لأنه لم يسبق له أن حارب جيشًا نصرانيًا، كما أنه لم يكن واثقًا من حلفائه الأندلسيين؛ لذا رأى أن تكون المعركة في ناحية بطليوس، وألا يتوغل كثيرًا في أرض الأندلس.
الزلاقة والنصر المبين
ولما بلغ ألفونس نبأ تقدم المسلمين لملاقاته، فك الحصار الذي كان يضربه حول مدينة سرقسطة، واستدعى قائده البرهانس من بلنسية، وبعث مستغيثًا بجميع النصارى في شمال إسبانيا وما وراء جبال البرانيس، فتقاطرت عليه فرسان النصارى من إيطاليا وفرنسا، واعتزم أن يلقى المسلمين في أرضهم حتى لا تخرب بلاده، وكانت قواته تفوق المسلمين عددًا وعدة، وقد استقرت هذه الجيوش النصرانية على بعد ثلاثة أميال من المعسكر الإسلامي ولا يفصل بينهم إلا نهر صغير يسمى "جريرو"، وانضم إلى قوات النصارى الرهبان والقسس يحملون أناجيلهم وصلبانهم، محفزين بذلك جنود النصارى.
كانت قوات المسلمين تقدر بحوالي ثمانية وأربعين ألف مقاتل، تنقسم في وحدتين كبيرتين من قوات الأندلس، وتحتل المقدمة بقيادة المعتمد، أما القوات المرابطية فتحتل المؤخرة وتنقسم إلى قسمين، يضم الأول فرسان البربر بقيادة داود بن عائشة، والقسم الثاني احتياطي، يقوده يوسف بن تاشفين.
ولبث الجيشان كل منهما في اتجاه الآخر ثلاثة أيام، وفشلت محاولة ألفونس خديعة المسلمين في تحديد يوم المعركة، وانتهى الأمر بنشوب المعركة مع أول ضوء من صباح يوم الجمعة (12 رجب 479هـ = 23 أكتوبر 1086م) بهجوم خاطف شنَّه فرسان النصارى على مقدمة المسلمين المؤلفة من القوات الأندلسية، فاختل توازن المسلمين وارتد فرسانهم نحو بطليوس، ولم يثبت إلا المعتمد بن عباد في مجموعة قليلة من الفرسان، وقاتلوا بشدة، وأُثخن المعتمد بالجراح وكثر القتل في جند الأندلس، وكادت تحل بهم الهزيمة، وفي الوقت نفسه هاجم ألفونس مقدمة المرابطين وردها عن مواقعها.
وأمام هذه المحنة التي تعرضت لها القوات المسلمة دفع يوسف بقوات البربر التي يقودها أبرع قواده وهو "سير بن أبي بكر اللمتوني"؛ فتغير سير المعركة، واسترد المسلمون ثباتهم، وأثخنوا النصارى قتلاً، وفي تلك الأثناء لجأ ابن تاشفين إلى خطة مبتكرة؛ إذ استطاع أن يشق صفوف النصارى، ويصل إلى معسكرهم، ويقضي على حاميته، ويشعل فيه النار؛ فلما رأى ألفونس هذه الفاجعة، رجع بسرعة شديدة، واصطدم الفريقان في قتال شرس، ودويّ طبول المرابطين يصم الآذان، وكثر القتل في الجانبين، خاصة في صفوف القشتاليين، ثم وجه "ابن تاشفين" ضربته الأخيرة إلى النصارى؛ إذ أمر حرسه الأسود، وقوامه أربعة آلاف مقاتل من ذوي البأس الشديد والرغبة في الجهاد بالنزول إلى أرض المعركة، فأكثروا القتل في القشتاليين واستطاع أحدهم أن يطعن ألفونس في فخذه طعنة نافذة كادت تودي بحياته.
وأدرك ألفونس أنه وقواته يواجهون الموت إذا استمروا في المعركة، فبادر بالهروب مع قلة من فرسانه تحت جنح الظلام، لم يتجاوزوا الأربعمائة، معظمهم جرحى، ماتوا في الطريق، ولم ينج منهم إلا مائة فارس فقط.
كان انتصار المسلمين في الزلاقة نصرًا عظيمًا ذاعت أنباؤه في الأندلس والمغرب، واستبشر المسلمون به خيرًا عظيمًا، غير أن المسلمين لم يحاولوا استغلال نصرهم بمطاردة فلول النصارى المتبقية والزحف إلى أراضي قشتالة، بل لم يحاولوا السير إلى طليطلة لاستردادها، وهي التي كانت السبب الرئيسي في الاستعانة بالمرابطين، ويقال إن ابن تاشفين اعتذر عن مطاردة القشتاليين لوصول أنباء إليه بوفاة أكبر أبنائه.
ونتج عن هذا المعركة الحاسمة توقُّف ملوك الطوائف عن دفع الجزية لألفونس السادس، وأنقذ هذا النصر غرب الأندلس من غارات المدمرة، وأفقدهم عددًا كبيرًا من قواتهم، وأنعش آمال الأندلسيين وحطم خوفهم من النصارى، ورفع الحصار عن سرقسطة التي كادت تسقط في يد ألفونس، وحالت هذه المعركة دون سقوط الأندلس كلها في يد النصارى، ومدت في عمر الإسلام بالأندلس حوالي القرنين ونصف القرن.
المصادر:
·   محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس- دولة الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطي– مكتبة الخانجي– القاهرة– الطبعة الأولى (1380 – 1960).
·   أمين توفيق الطيب: دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس– الدار العربية للكتاب– تونس (1984).
·   محمد عبد الحميد عيسى: الزلاقة- مجلة الأمة- رئاسة المحاكم الشرعية بقطر- عدد (23) ذو القعدة 1402هـ- سبتمبر 1982م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق