الاثنين، 26 سبتمبر 2016

دولة المرابطين بالأندلس

المرابطون

دولة المرابطين
 دولة المرابطين بالأندلس

دولة المرابطين

المرابطون، اللمتونيون، الملثمون: سلالة بربرية أمازيغية حكمت في المغرب، موريتانيا، غرب الجزائر و الأندلس مابين أعوام 1056-1060 و حتى 1147 م.
المقر: فاس 1056-1086 م، مراكش منذ 1086 م.
يرجع أصل المرابطين إلى قبيلة لمتونة البربرية كما أن أصل التسمية يرجع إلى أتباع الحركة الإصلاحية التي أسسها عبد الله بن ياسين و الذي قاد حركة جهادية لنشر الدين و كان رجالها يلزمون الرباط بعد كل حملة من حملاتهم الجهادية، بدأت الحركة بنشر الدعوة في الجنوب -إنطلاقاً من موريتانيا- و أفلحوا في حمل بلاد غانه على الإسلام و من ثمة باقي مناطق الصحراء الغربية، في عهد يوسف بن تاشفين (1060-1106 م) تم غزو المغرب و غرب الجزائر ثم بناء مدينة مراكش 1062 م.
قاد عام 1086 م أولى حملاته في الأندلس و إنتصر على النصارى في معركة الزلاقة الشهيرة. بين أعوام 1089-1094 م عاد يوسف بن تاشفين مرة أخرى إلى الأندلس و لكن هذه المرة للقضاء على ملوك الطوائف. في عهد علي بن يوسف (1106-1143) تعرض إلى هزائم على أيدي النصارى في الأندلس ثم إستولى الموحدون على مملكته في غرب إقريقية -منذ 1030 م- . إلى أن قضى هؤلاء على آخر الأمراء بعد إستيلائهم على مراكش عام 1147 م.

 

 

قائمة الأمراء:


 الحاكم
 الحياة
 الحكم
1
يوسف بن تاشفين بن تالاكاكين
 ....-1107 
 1062-1107 
2
 ....-1143 
 1107-1143 
3
 ....-1146 
 1143-1146 
4
 ....-.... 
 1146-1146 
5
 ....-1147 
 1146-1147 

يوسف بن تاشفين بن تالاكاكين (حكم في فاس فقط)
 ....-.... 
 1062-1063 

الملثمون في ليبيا
خامسا : "دولة المرابطين" أشهر دولهم بعد الإسلام :  الخبر عن دولة المرابطين من لمتونة وما كان لهم بالعدوتين من الملك وأولية ذلك ومصايره . كان هؤلاء الملثمون في صحاريهم كما قلناه ، وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الإسلام لعهد المائة الثالثة . وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه ؛ فدانوا لهم واستوثق لهم الملك‏.‏ ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص‏.‏ فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق بن منصور بن مصالة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن تلميت وهو لمتونة‏.‏ ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن إبراهيم الكندالي ، وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلاء وتظاهروا على أمرهم‏ ، وخرج يحيى بن إبراهيم لقضائه الحج في رؤساء من قومه في سنة أربعين وأربعمائة (440هـ) ، فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي ،  واغتنموا ما متعوا به من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاويه‏.‏ وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم‏.‏ فندب تلميذه إلى ذلك حرصاً على إيصال الخير إليهم ، لما رأى من رغتهم فيه فاستوعبوا مسغبة بلادهم‏.‏ وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك بن زلوا اللمطي بسجلماسة من الآخذين عنه ، وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويروض نفسه على مسغبة أرضهم في معاشه . فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي ، ووصل معهم يعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين‏.‏ ثم هلك يحيى بن إبراهيم وافترق أمرهم واطرحوا عبد الله بن ياسين ، واستصعبوا علمه وتركوا الأخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف ؛ فأعرض عنهم وترهب‏.‏ وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة وأخوه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحاً في المصيف وغمراً في الشتاء ، فتعود جزراً منقطعة‏.‏
سبب تسميتهم بالمرابطين : فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا ولما كمل معهم ألف من الرجالات ، قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين : إن ألفاً لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه ؛ فأخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين ، وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر ؛ فتخطوا الرمال الصحراوبة إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا‏.‏ ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة،  وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة (445هـ) ، في عدد ضخم ركباناً على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة‏ ؛لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز‏ خمسين ألفاً ونحوها‏.‏ ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلاده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم واستلحمهم ودوابهم وإبل الحمى ، التي كانت ببلد درعة‏.‏ وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلاباً وقتلوا من كان بها من فل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم‏.‏
وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين (447هـ) وقدم وافتتح ماسة وتارودانت وجميع معاقله‏.‏ ثم افتتح مدينة أغمات سنة تسع وأربعين (449هـ) ، وفر أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى قادلا واستضاف إلى بني يفرن بها ، ثم افتتح المرابطون بلاد المصامدة بجبال درن وجاسوا خلالها سنة خمسين (450هـ) ، ثم أغزوا تادلا فاستباحوها واستلحموا بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات‏.‏ وتزوج امرأته زينب بنت إسحق النفراوية ، وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن واطاس وكان شيخاً على وريكة وهزرجة بزمن هيلانة في دولة أمغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ‏.‏ وتغلب بنو يفرن على وريكة وملكوا أغمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا‏.‏
ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا وإنفا وجهات الريف الغربي ، فكانت لهم فيهم وقائع وأيام واستشهد عبد الله بن ياسين في بعضها سنة خمسين‏ (450هـ) .‏ وقدم المرابطون بعده سليمان بن عدو ليرجعوا إليه في قضايا دينهم‏.‏ واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب ، وهلك في جهادهم سليمان بن عدو سنة إحدى وخمسين (451هـ) لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين‏.‏ ثم نازل أبو بكر بن عمر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين‏ (452هـ).‏ وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعدما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشائج أعراقهم ومنيع عددهم ؛ فخشي افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلافى أمره بالرحلة‏.‏
ظهور يوسف بن تاشفين : أكد ذلك زحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين (453هـلقتالهم فارتحل أبو بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين،  ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحق ولحق بقومه‏.‏ ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة وفتح باباً من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم‏.‏ وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب ونزك بلكين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكفأ راجعاً‏.‏ فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب‏.‏ ثم رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه‏.‏ وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء وماعونها ، ففطن لذلك الأمير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له الأمر ورجع إلى أرضه ؛ فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة‏ (480هـ) .‏
يوسف بن تاشفين يتوج ملكا على المغرب : اجتمعت طوائف المرابطين على يوسف بن تاشفين وملكوه عليهم ولقبوه أمير المسلمين . واختط يوسف مدينة مراكش ، وكانت تحت بلاد المصامدة ، الذين هم أشد أهل المغرب قوة وأمنعهم معقلا ، ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه وكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة‏ (526هـ).‏ وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ولا أكثر جمعاً‏.‏ ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الحبل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم . فقد كانوا من ذلك على ألم.
حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه؛ فنازل أولاً قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش‏.‏ قال صاحب نظم الجواهر‏:‏ وهم بطن من زناتة وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين‏.‏ ثم استجاش به على فاس مهدي بن يوسف الكزنابي صاحب مكناسة بما كان عدواً لصاحب فاس ؛ فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها ، وأقام عليها أياماً قلائل وظفر بعاملها بكار بن إبراهيم فقتله‏.‏ ثم نهض إلى صفروي فافتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحاً  ، ثم خرج إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيراً من بلادهم‏.‏ وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة وبقية الأمراء من موالي الحمودية وأهل دعوتهما‏.‏ ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ؛ ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وقتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته الحاجب سكوت البرغواطي‏.‏ واستصرخ أهل مكناسة بالأمير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد‏.‏ وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لإحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك‏.‏ واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية كانوا ملوكاً بتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي صفير فكان الظهور لزناتة‏.‏
واستلحم كثير من المرابطين واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي من بلاد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم فنزلاوة ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين‏.‏ ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين‏.‏ وفي سنة اثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين القرويين والأندلسيين من عدوتيها وصيرها مصراً واحداً‏.‏ وأدار عليها الأسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد ورتب بناءها‏.‏ وارتحل سنة ثلاث وستين إلى وادي ملوية فافتتح بلادها وحصون وطاط من نواحيها‏.‏ ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة‏.‏ ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها‏.‏ ثم قسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة‏.‏ وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين‏.‏
يوسف بن تاشفين في وسط المغرب : ثم أغزى الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين قائده مزدلي بن تبلكان بن محمد بن وركوت في عساكر لمتونة ؛ لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان يومئذ الأمير العباس ين يختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر ، فدوخوا المغرب الأوسط وصاروا في بلاد زناتة وظفروا بيعلى بن الأمير العباسي فقتلوه وانكفأوا راجعين من غزاتهم‏.‏ ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة ثلاث بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلاد الريف وخرب مدينة نكور فلم تعمر بعد ثم نهض في عساكره المرابطين إلى بلاد المغرب الأوسط ، فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزتاسن‏.‏ ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغراً لملكه‏.‏ ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر‏.‏
ابن تاشفين في الجزائر : ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر ، وانكفأ راجعاً إلى المغرب فاحتل مراكش سنة خمس وسبعين‏.‏ ولم يزل محمد بن تينعمر والياً بتلمسان إلى أن هلك وولي بعده أخوه .
الأندلسيون يستنجدون بابن تاشفين : ثم إن الطاغية  تكالب على بلاد المسلمين ، وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليطلة وبها القادر بن يحيى بن ذي النون ، حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحاً سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه عسكراً من النصرانية ، فدخل بلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليلة‏.‏ وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها‏.‏ ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هود بها وطال مقامه وامتد أمله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزاً وكاتبه أهل الأندلس في كافة من العلماء والخاصة ؛ فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً‏.‏ وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين ، وتقبض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبراً وكتب إلى أبيه بالفتح‏.‏ ثم أجاز ابن عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفراً للجهاد‏.‏ وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضراء لتكون رباطاً لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، ولقيه المعتمد ابن عباد وابن الأفطس صاحب بطليوس‏.‏ وجمع ابن أدفونش ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله ولقي المرابطين بالزلاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين‏.‏ ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكراً بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيره ويعرف أبوه بالحاج وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئاً ، فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسمف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة‏.‏ وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر علي بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغرياً بالقادر بن ذي النون فأنفذ معه عسكراً وملك بلنسية وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين .
وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها يوسف بن تاشفين الأمير مزدلي وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه إلا ابن عباد فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التي بينهما‏.‏ وبعث جيشاً إلى المرية ففر عنها ابن صمادح ونزلى على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته .
ابن تاشفين يحصل على فتاوى الفقهاء بخلع أمراء الطوائف : أفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم ، وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكين بن باديس وأخاه تميماً من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين‏.‏ وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما‏.‏ ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها وعقد للأمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على الأندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه ومبرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للأمير يوسف والنزول عن الأمر ففسد ذات بينهما وغلبه على جميع عمله‏.‏ واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم‏.‏ وصمد إلى إشبيلية فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى إستنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئاً وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده .
المرابطون يقتحمون إشبيلية ويقبضون على المعتمد بن عباد : واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين‏.‏ وتقبض على المعتمد وقاده أسيراً إلى مراكش ، فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة . ثم عمد إلى بطليوس وتقبض على صاحبها عمر بن الأفطس فقتله وابنيه يوم الأضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وأن يملكوه مدينة بطليوس ، ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى أمامه وكان الظهور للمسلمين‏.‏ ثم أجاز الأمير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج وسير بن أبي بكر واقتحموا عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصماً بالنصارى‏.‏ وغزا الأمير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع‏.‏
سقوط ملوك الطوائف وصعود نجم ابن تاشفين : وانتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن ، واستولى على العدوتين واتصلت هزائم النصارى على يد المرابطين مراراً وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة لعهده ببغداد وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر ، فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والأندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولاً في أيدي الناس وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم‏.‏
وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله‏.‏ ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الأندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بني حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلادهم فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث إليهما مزدلي من بلنسية وولي بلنسية عوضاً عنه أبا محمد ابن فاطمة وكثرت غزواته في بلاد النصرانية‏.‏
هلاك يوسف بن تاشفين وتولي ابنه بعده : هلك يوسف على رأس المائة الخامسة ، وقام بالأمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك وكانت أيامه صدراً منها وادعة ودولته على الكفر وأهله ظهور وعزة وأجاز إلى العدوة ؛ فأثخن في بلاد العدو قتلاً وسبياً وولى على الأندلس الأمير تميم  . ‏ وجمع الطاغية للأمير تميم فهزمه تميم ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة‏.‏ وأثخن في بلاد النصارى ورجع وعلى أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيداً وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه‏.‏ ثم كانت سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وخلاؤها‏.‏ ثم رجع العمران إليها على يد ابن تامرظست من قواد المرابطين كما مر في ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال علي بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وأنزله قرطبة وإشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لأبي بكر بن إبراهيم المسوفي على شرق الأندس وأنزله بلنسية وهو ممدوح بن خفاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ‏.‏ وعقد لابن غانية المسوفي على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه ولأربع عشرة سنة من دولته .
ظهور المهدي صاحب دعوة الموحدين : كان ظهور الإمام المهدي صاحب دعوة الموحدين فقيهاً منتحلاً للعلم والفتيا والتدريس آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر متعرضاً بذلك للمكروه في نفسه‏.‏ ونالته ببجاية وتلمسان ومكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين ، وأحضره الأمير علي بن يوسف للمناظرة ففلج علي خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة‏.‏ واستدرك علي بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة بإحضاره فأبوا عليه فسرح إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم‏.‏ وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن علي الكومي كبير أصحابه بعهده إليه وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مراراً‏.‏ وفشل ريح لمتونة بالعدوة الأندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب‏.‏ وهلك علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقام بالأمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ أمر الموحدين واستفحل شأنهم وألحوا في طلبه‏.‏
سقوط المرابطين في المغرب على يد الموحدين : وغزا عبد المؤمن غزوته المجرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن نزل تلمسان‏.‏ ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطري المطل عليها ووصله هنالك مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم‏.‏ وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفر تاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله‏.‏ واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة إحدى وأربعين‏.‏ واستولى الموحدون على المغرب الأوسط واستلحموا لمتونة‏.‏ ثم بويع بمراكش ابنه إبراهيم وألفوه مضعفاً عاجزاً فخلع وبويع عمه إسحق بن علي بن يوسف بن تاشفين‏.‏ وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلاد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون‏.‏ وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس سنة إحدى وخمسين وملكوا واستحلموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة إلى أن جددوا من بعده للملك بناحية إفريقية .
المراجع :   ديوان المبتدأ والخبر ، التذكار ، تاريخ الفتح العربي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق