الجمعة، 16 ديسمبر 2016

علم الجغرافيا



علم الجغرافيا


الجغرافيا هو علم يبحث في دراسة الأرض وجميع العوامل الطبيعيّة والبشريّة المؤثرة عليها، وجذور هذه الكلمة مأخوذة من اللغة الإغريقية، وتعني باللغة العربيّة "وصف الأرض"، وقد كان الرحّالة في القدم يقومون بتسجيل ما يشاهدونه في البلدان الّتي قاموا بزيارتها؛ حيث يصفونها وصفاً دقيقا ومفصّلاً، وكلمة جغرافيا هي كلمة مستحدثة؛ حيث لم يستعملها العرب الرحّالة في القدم بل استخدموا كلماتٍ أخرى مثل: صورة الأرض أو قطع الأرض.


أقسام علم الجغرافيا

الجغرافيا الطبيعيّة: ويقصد بها الجغرافيا المتعلّقة بطبيعة الأرض الجيولوجيّة، بالإضافة إلى العوامل الجويّة والمناخيّة، ودراسة علم النبات، وعالم الحيوانات، كما تُعنى بدراسة الفلك والكواكب وعلاقاتها وحركتها وأحجامها.
الجغرافيا البشريّة: وتعني دراسة السكّان وتنوّع أطيافهم، وتشمل أيضاً الجغرافيا الاقتصاديّة، والسياسيّة، وتدرس علاقات البلدان مع بعضها، والتوزّع السكاني، والانتشار العمراني.
علم الخرائط: وهو علم يدرس رسم الخرئط وقراءتها.
نظم المعلومات الجغرافية: وهو قسم جديد، ويسمّى أيضاً قسم الاستشعار عن بعد.

فوائد دراسة علم الجغرافيا

تحديد دخول أوقات الصلاة بشكل صحيح، كما يمكن تحديد اتجاه القبلة.
تحديد أنواع المناخ في المناطق المختلفة، بالإضافة إلى العوامل التي قد تحدث أيّ تغيير فيه، ودراسة أثره على اختلاف وتنوّع المحاصيل الزراعية.
معرفة أماكن توافر أنواع المعادن المختلفة، وبالتالي يسهل استخراجها واستغلالها بالشّكل الاقتصادي المفيد.
تحديد مناطق النشاط الزلزالي، ووتحديد البراكين النشطة، وبالتالي تلافي خطرها والتقليل من أضرارها.
دراسة البلدان المتقاربة من بعضها بهدف التبادل في الثروات الموجودة، ودفع عجلة الاقتصاد، وسدّ حاجات الشعوب.
توجد الكثير من المهن التي ترتبط في حالة الجو مثل: مهنة الزراعة، والملاحة الجويّة والبحرية.

وقد حثّنا الله تعالى على البحث والنظر إلى عجائب قدرته في الأرض للتعرّف على حسن خلقه سبحانه وإبداع صنيعه؛ لذا تعتبر دراسة الجغرافيا من الأمور التي تساعد في تحقيق هذا الهدف على النحو المطلوب؛ حيث يساهم هذا العلم في تعميق إيمان الإنسان بربّه، وذلك من خلال ما يراه من الانسجام والتكامل في الخلق. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في القرآن الكريم في الآية 164 من سورة البقرة؛ حيث قال: {إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كلّ دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون}.

تشكل الأرض



الحمد لله تعالى الذي خلق الارض وسخَّرها بما فيها من كائنات وجمادات لخدمة الإنسان الموكلة إليه مهمة إعمارها ، اذن فالعلاقة بين الارض والإنسان علاقة تفاعلية وتأثيرية كل يؤثر في الآخر. ولكن كيف تكوّن كوكب الأرض بكل ما عليه من تضاريس هذا ما سنوضحه لكم اليوم.

تشكًّل الأرض

الأرض هي جزء صغير من هذا الكون الواسع ، ويأتي في المجموعة الشمسية التي هي بدورها تقع في مجرة التبانة ؛ ومجرة التبانة هي عبارة عن الشمس وما حولها من الكواكب، والمجموعة الشمسية عبارة عن عدة كواكب وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ و المشتري وزحل وأورانوس ونبتون و بلوتو؛ اذن فالأرض يأتي ترتيبها بُعداً عن الشمس هو الكوكب الثالث ، وبذلك تحصل على الحرارة المناسبة لتمكين الإنسان من العيش على سطح الأرض.

أما عن تكوِّن الأرض فالإحتمال الأكبر هو نظرية البيج بانج (Big Bang ) وهي الإنفجارالكبير أو الأعظم حيث تقول النظرية أنَّ هناك انفجاراً عظيماً حدث في الفضاء ، وقام بقذف كتلة كبيرة وكثيفة من المواد ذات حرارة عالية جداً جداً، ونتيجة التفاعلات التي حدثت للمواد المقذوفة التي نتجت عن الإنفجار العظيم تشكَّلت الكواكب و المجرّات والشموس لاحقاً على مدار السنين،عندما قذف الإنفجار بالمواد عالية الحرارة تشكًّل منها غيمة كبيرة وهائلة وبدأت بالدوران ،وأثناء دورانها زادت كثافة هذه المواد وشكلَّت النجوم ،و النجوم بدورها تجمَّت وشكَّلت المجرات، وطبعاً كوكب الأرض نتج عن هذا الإنفجار والتفاعلات التي حدثت قبل ما يقارِب أربعة مليارات عام، ولكن لم يحدث هذا الانفجار بالصدفة وإنما هي إرادة الله عز وجل فلولا حكمته لما تشكًّل هذا الكون بهذه الطريقة المتينة والرائعة ، ولما تكوَّن كوكب الأرض بهذا الشكل ليستطيع أن يعيش عليه الإنسان.

طبقات الأرض

وعلى مدار السنين كان شكل الأرض يتغيًّر باستمرار، فقد وجد العلماء أنَّ الأرض تتكوَّن من أربعة طبقات رئيسية اللب الداخلي، اللب الخارجي، الدثار ( العباءة)، و القشرة الأرضية، حيث أن اللب الداخلي هو مركز الأرض واللب الخارجي والدثار أو العباءة تعمل على حمايته وهي المسؤولة عن التغيرات التي تحدث على سطح الأرض.


ولكن كل النظريات التي جاءت من أجل تفسير تشكًّل الأرض وغيرها من النجوم هي فرضيات قابلة للخطأ ، وإنما استخدم الإنسان عقله وبواسطة العلم الذي توصل إليه حاول تفسيبر تشكل الكون، ولا يمكن التسليم بها لأن هذا الشيء من علوم الغيب الذي لا نعلم منه إلا القليل الذي أطلعنا عليه الله عز وجل.

شبكة الإحداثيات الفلكية

خطوط الطول ودوائر العرض

تعتبر خطوط الطول ودوائر العرض من المواضيع الرئيسية الّتي يتطرّق لها عِلم الجغرافيا كفرعٍ من فروعه، وتحديد الأساسية منها وكيف تُقسَّم وفوائد هذه الخطوط والدوائر، فقسّمت الأرض إلى خطوط طول ودوائر عرض ليصبح بالإمكان الاستدلال على أي موقع تريد، وفي ظل التقدم التكنولوجي الهائل أصبخ بإمكان أي شخص تحديد أي موقع يريد سواء كان هذا الموقع لمنزل أو شارع أو حديقة أو مطعم عن طريق استخدام برامج تحديد الموقع المحملة على الهواتف الذكية والتي تعتمد في عملها على خرائط الكرة الأرضية بناء على خطوط الطول ودوائر العرض.

 خطوط الطول

الأرض كروية الشكل ولها مركزين أحدهما في الشمال وهو القطب الشماليّ وآخر في الجنوب وهو القطب الجنوبيّ ومن هنا جاءت خطوط الطول لتكون الخطوط الواصلة بين القطبين على جميع مساحة الأرض السطحية؛ وفعلياً هي ليست خطوط وإنّما أنصاف دوائر وهمية وبين كل خطٍ واخر درجةً ويبلغ عددها 360 درجة (360° )، وما بين الدرجة والأخرى تقسم إلى دقائق وثواني.


أهم خطوط الطول

خط جرينتش: الخط الطولي الوهمي المار في قرية جرينتش في بريطانيا ودرجته صفر فهو يقع في منتصف الكرة الأرضية طولياً.
الخطوط يساره تسمى شرق خط جرينتش وعددها 180 خط.
الخطوط يمينه تسمى غرب خط جرينتش وعددها 180 خط.

أهمية خطوط الطول

معرفة التوقيت المحلي والعالمي لكل دولةٍ ومدينةٍ.
تحديد فارق التوقيت بين أي مدينتين عن طريق مقارنتها بمدينةٍ معلومة التوقيت.
التوقيت العالمي هو المعتمد في الرحلات والأعمال ومواعيد البرامج التلفزيونية وغيرها وذلك تجنباً لحدوث أي التباس بسبب التوقيت المحلي للدول أو المدن.

دوائر العرض

بما أنّ الأرض كروية الشكل فيمكن تقسيمها بشكلٍ عرضيٍّ إلى دوائر؛ تسمى دوائر العرض وهي عبارة عن دوائر وهمية عددها 180 دائرة، وهذه الدوائر تبدأ من خطٍ مستقيمٍ وتضيق كلما اتجهنا شمالاً وجنوباً نحو القطبين.


أهم دوائر العرض

خط الاستواء درجته صفر؛ يقع في منتصف الكرة الأرضية عرضاً ويقسمها إلى نصفين:
الدوائر أعلى خط الاستواء تسمى دوائر العرض الشمالية وعددها 90 دائرة.
الدوائر أسفل خط الاستواء تسمى دوائر العرض الجنوبية وعددها 90 دائرة.
مدار السرطان دائرة العرض الشمالية تلي خط الاستواء تقع على درجة 23,5° شمالاً وتتعامد الشمس على مدار السرطان في 21 حزيران/يونيو.
مدار الجَّدي يلي خط الاستواء ويقع على 23,5° جنوباً وتتعامد الشمس عليه في 21 كانون الأول د/ ديسمبر.
الدائرة القطبية الشمالية تقع على 66,5° شمالاً.
الدائرة القطبية الجنوبية تقع على 66,5° جنوباً.
القطب الشماليّ يقع على 90° شمالاً.
القطب الجنوبيّ يقع على 90° جنوباً.

أهمية دوائر العرض

تحديد مواعيد فصول السنة؛ فالانقلاب الصيفيّ يحدث عندما تتعامد أشعة الشمس على مدار السرطان فتصبح النصف الشمالي للكرة الأرضية صيفاً والجنوبي شتاءً، ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تتعامد الشمس على مدار الجَّدي فتصبح شمالاً فصل الشتاء وجنوباً فصل الصيف.
تحديد المناطق الحرارية وتحديد المُناخ لأي منطقةٍ في العالم ومعرفة حركة الرياح والسحب والأمطار واختلاف الضغط الجويّ.

تحديد موقع مكانٍ ما من خلال نقطة تقاطع خط الطول مع دائرة العرض.

الخميس، 13 أكتوبر 2016

مقالة جدلية :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟

مقالة جدلية :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟
I-
طرح المشكلة :
تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ، الامر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
II–
محاولة حل المشكلة :
1-
أ- الاطروحة :
يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات المنج التجريبي عليها .
1-
ب- الحجة :
و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحيةباستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق يصادفنا على مستوى المنهج هو عائقالملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام الاموات ».
و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ .
و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
1-
جـ- النقد :
لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
2-
أ- نقيض الاطروحة :
وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع المادة الحية الى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ، وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة . ويعود الفضل في ادخال المنهج التجريبي في البيولوجيا الى العالم الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .
2-
ب- الادلة :
و ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و الكالسيوم و الفسفور ... فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
هذا على مستوى طبيعة الموضوع ، اما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل الاعضاء عن بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الاشعة و المنظار ...
كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة .
2-
جـ- النقد :ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه اذا كانت الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية إعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها .
3-
التركيب :
و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و قوانينه الخاصة ».
III-
حل المشكلة :
وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا .

المقالة استقصائية :اذا كانت الرياضيات لا تقدم معرفة تجريبية ، ففيم تتمثل قيمتها ؟

المقالة استقصائية :اذا كانت الرياضيات لا تقدم معرفة تجريبية ، ففيم تتمثل قيمتها ؟
* تعتبر التجرية مقياس اساسي نحكم به على " علمية " أي معرفة من المعارف ، ومن المعلوم ان الرياضيات علم عقلي بحت ، مجرد تماما عن ماهو محسوس ، لذلك فهي لا تقدم أي معرفة تجريبية ، والسؤال الذي يطرح هنا ؛ فيم تكمن قيمة الرياضيات اذا كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ؟
1- إن موضوع الرياضيات هو الكميات العقلية المجردة ، التي تتميز بالثبات والاستقلالية عن الواقع المحسوس ، ولغتها الرموز من ثوابت ومتغيرات ، وليست ألفاظ اللغة العادية التي تتصف بالغموض والابهام . ومنهجها الاستدلال العقلي ذو الطبيعة الاستنتاجية – الافتراضية ، يراعي فيه الرياضي عدم تناقض النتائج مع ما يفترضه من قضايا أولية دون الرجوع الى الواقع الحسي . كما توصف الرياضيات بالخصوبة نظرا لتعدد فروعها ( كالجبر ، الهندسة ، الهندسة التحليلية ، نظرية المجموعات ، حساب الاحتمالات .. ) وتعدد انساقها ( كنسق اقليدس ، نسق لوباتشوفسكي ، نسق ريمان .. ) دون ان يكون هناك تناقضا بين هذه الفروع والانساق . كما تعود خصوبتها الى طبيعة البرهان الرياضي ، فهو – بخلاف القياس الارسطي – يتميز بخاصيتيه التركيبية والتعميمية ، حيث ننتقل فيه من البسيط الى المركب ومن الخاص الى العام .
2- ان الرياضيات وان كانت من العلوم التجريدية فهي لغة العلوم التجريبية ، وتكمن قيمتها في استعانة العلوم التجريبية بها في صياغة نتائجها . حيث ان العلوم على اختلافهاسواء الطبيعية منها التي تدرس المادة الجامدة او الحية ، أو الانسانية التي تدرس الانسان ومختلف مواقفه – تسعى الى استخدام الرياضيات في مباحثها ومناهجها وصياغة نتائجها ..
ولقد كانت الرياضيات حتى القرن 17 م منفصلة عن العلوم ، وحينئذ تبيّنكما قال " غاليلي " – أن : « الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية » ، ومادامت الطبيعةالتي هي موضوع العلم – مكتوبة كذلك – فإنه لا يصلح لفهم العلاقات التي تربط بين ظواهرها الا استعمال لغة الرياضيات ، التي هي – حسب " بوانكاري " – « اللغة الوحيدة التي يستطيع العاِلم أن يتكلم بها » .. وهكذا بدأت الرياضيات تغزو العلوم .
فلقد صاغ " غاليلي " قانون سقوط الاجسام صياغة رياضية ( ع = ½ ج x ز2 ) ، وكذلك فعل " نيوتن في قانون الجاذبية ، لتعرف الفيزياء بعدها استعمالا واسعا للرياضيات ، كما هو الحال في قوانين السرعة والتسارع و حركة الاجسام .
هذا ، وقد حسب " كبلر " حركة كوكب المريخ حسابا رياضيا ، ليعرف علم الفلك – هو الاخر – استعمال لغة الرياضيات ، كحساب حركة الكواكب والظواهر مثل الكسوف والخسوف والمواقيت ..
إضافة الى ذلك ، فإن الكمياء إبتداءً من " لافوازييه " أصبحت تعبر عن تفاعل العناصر و عمليات الاكسدة والارجاع في شكل معادلات رياضية ، كما أصبح العنصر الكميائي يعرف بوزنه الذري ..
والامر نفسه في البيولوجيا ، لاسيما استخدام الاحصاء الرياضي مثلما فعل " مندل " في قوانين الوراثة . والواقع اليومي يكشف عن استعمال واسع للرياضيات في البيولوجيا ، وتحديدا في ميدان الطب ، حيث تكمم دقات القلب وعدد كريات الدم ونسبة السكر ومعدل الضغط ...
ولم يقتصر استعمال الرياضيات على العلوم الطبيعية المادية فحسب ، بل تعداه الى العلوم الانسانية ؛ فلقد تمكن علماء النفس الالمان " فيبر " و " فيخنر " من صياغة قانون رياضي للاحساس هو قانون العتبة المطلقة والعتبة الفارقة . كما وضع الفرنسي " بيني " مقياسا رياضيا عاما لدرجة الذكاء ونسبته ، هو العمر العقلي مقسوما على العمر الزمني مضروبا في 100 . و ذات الامر في الاقتصاد والجغرافيا البشرية ؛ حيث يستعمل الاحصاء وحساب الاحتمالات والتعبير عن النتائج في شكل معادلات رياضية ومنحنيات بيانية ودوائر نسبية .
3- و تكمن قيمة الرياضيات في كونها ساهمت في تطور العلوم ، من مجرد وصف كيفي للظواهر يعتد على اللغة العادية المبهمة الى تحديد كم دقيق لها ؛ فالعلوم لم تبلغ الدقة في فهم ظواهرها ومن ثــمّ التنبؤ بها ، الا بعدما صارت تصوغ نتائجها صياغة رياضية .
هذا من جهة ، ومن جهة فإن الرياضيات تهيئ للعلم المفاهيم التي يقوم عليها، مثال ذلك ان " نيوتن " اقتبس مفهوم المكان من المكان الحسي عند " إقليدس " ، ولولا هندسة " ريمان " لما كانت نسبية " إنشتاين " .
ومن جهة ثالثة ، فإن الرياضيات تسمح باكتشاف القوانين العلمية دون الحاجة الى المرور بالملاحظة والتجربة ، مثال ذلك أن حساب العالم " لوفيريي " لكوكب " أورانيوس " أدى الى اكتشاف كوكب " نيبتون " ، كما وصل العالم " ماكسويل " الى اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية ووضع لها أربع معادلات رياضية أحاطت بخواصها من حسابات رياضية خالصة ، ولم يتحقق منها العلماء تجريبيا الا بعد مرور ثمانين – 80 – سنة .
* وهكذا يتضح ، أن للرياضيات قيمة كبرى باعتبارها لغة العلوم الحديثة ، فهي وإن كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ، فإنها اللغة التي تستخدمها هذه العلوم في التعبير عن نتائجها . فالرياضيات تمثل نموذجا للوضوح ومعيارا للدقة واليقين وطريقا للابداع ، وهو ما يهدف كل علم الى بلوغه .

المقالة : إذا كانت التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا خطاً دون عرض ولا سطحاً دون سمك ، فهل يعني ذلك أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية

المقالة الحادية عشر : إذا كانت التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا خطاً دون عرض ولا سطحاً دون سمك ، فهل يعني ذلك أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ؟ I- طرح المشكلة :
هل المفاهيم الرياضية أصلها عقلي أم تجريبي ؟
II- محاولة حل المشكلة : 1-أ- عرض الاطروحة :
يرى أصار النزعة العقلية المثالية أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ، بل هي مفاهيم عقلية خالصة .
1-ب- الحجة :
- لأن المفاهيم الرياضية مفاهيم مجردة أنشأها العقل و استنبطها من مبادئه الاساسية ( الهوية ، عدم التناقض ، الثالث المرفوع ) من دون الحاجة الى الرجوع الى الواقع الحسي .
- ان التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا خطاً دون عرض ولا سطحاً دون سمك ، مما يعني ان المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه بصورة قبلية .
- المفاهيم الرياضية هي حقائق معقولة وهي مفاهيم ازلية وثابتة ، والعقل كان يدركها في عالم المثل ، ولكن عند مفارقته لهذا العالم نسيها ، وما عليه الا تذكرها ( افلاطون ) .
- ان المفاهيم الرياضية هي مفاهيم فطرية تتميز بالبساطة والبداهة واليقين ، وبما ان العقل قاسم مشترك بين جميع الناس ، فإن الناس جميعهم بإمكانهم ادراك هذه المفاهيم ( ديكارت ) .
1-جـ- النقد :
إن الطفل الصغير يمزج بين العدد والشيئ المعدود . وتاريخ الرياضيات يقدم لنا الشواهد على ان العمل الرياضي بدأ حسيا ، وتدرج شيئا فشيئا نحو التجريد بإدخال الصفر والعدد السالب والعدد الكسري ... ثم لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية لتساوى في العلم بها الجميع ، لكنها مفاهيم لا يدركها الا القلة القليلة من المتخصصين .
2-أ- عرض الاطروحة :
يؤكد أنصار النزعة الحسية التجريبية ان المفاهيم الرياضية مثل سائر معارفنا مستمدة من التجربة الحسية .
2-ب- الحجة :
مجموعة من الاشجار اوحت بفكرة العدد ، وان بعض الاشياء الطبيعية اوحت بالاشكال الهندسية ، فشكل الشمس مثلا اوحى بفكرة الدائرة ، وان الانسان في اقدم العصور استعان في العدّ بالحصى والاصابع .. ثم ان تجربة مسح الاراضي عند قدماء المصريين هي التي ادت الى نشوء علم الهندسة . وان الهندسة اسبق ظهورا من الحساب او الجبر لأنها اقرب الى التجربة .
2-جـ- النقد :
ان المفاهيم الرياضية ليست كما اعتقد التجريبيون مستمدة من التجربة الحسية ، فهذه الاخيرة لم تكن الاحافزا للعقل على تجريد المعاني الرياضية .
3- التركيب :
في الحقيقة ان هناك تلازم بين العقل والتجربة ، فلا وجود لمعرفة عقلية خالصة ولا لمعرفة تجريبية خالصة . وعلى هذا الاساس ، فإنه من المنطق القول ان اصل الرياضيات يعود الى التجربة الحسية ، فهي قبل ان تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها تجريبية ، ولكن العقل جرّد تلك المعاني الحسية ، فأصبحت مفاهيم مجردة .
III- حل المشكلة :
 إن أصل المفاهيم الرياضية هو التجربة الحسية ، ثم اصبحت مفاهيم مجردة لا علاقة لها بالواقع .

المقالة الجدلية 10 :هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟

المقالة الجدلية 10 :هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟ . I- طرح المشكلة :
إن الدولة وجدت لإجل غايات ذات طابع أخلاقي ، مما يفرض أن تكون الممارسة السياسية أيضا أخلاقية ، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك تماماً ، سواء تعلق الامر بالممارسة السياسية على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العلاقات بين الدول ، حيث يسود منطق القوة والخداع وهضم الحقوق .. وكأن العمل السياسي لا ينجح إلا إذا أُبعدت القيم الاخلاقية ؛ فهل فعلا يمكن إبعاد الاعتبارات الاخلاقية من العمل السياسي ؟
- محاولة حل المشكلة :
1-أ- عرض الاطروحة:
يرى بعض المفكرين ، أن لاعلاقة بين الاخلاق والسياسة ، لذلك يجب إبعاد الاعتبارات الاخلاقية تماماً من العمل السياسي ، وهو ما يذهب إليه صراحة المفكر الايطالي " ميكيافيلي 1469 –1527 " في كتابه " الامير " ، حيث يرى أن مبدأ العمل السياسي هو : « الغاية تبرر الوسيلة » ، فنجاح العمل السياسي هو ما يحققه من نتائج ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ النظام وضمان المصالح الحيوية .. بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى وإن كانت لاأخلاقية ، بل ويذهب الى أبعد من ذلك ، فيزعم أن الاخلاق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها ، وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار بسرعة.
ويوافقه في ذلك أيضاً فيلسوف القوة " نيتشه 1844 –1900 " ، الذي يرى أن السياسة لا تتفق مع الاخلاق في شيئ ، والحاكم المقيد بالاخلاق ليس بسياسي بارع ، وهو لذلك غير راسخ على عرشه ، فيجب على طالب الحكم من الالتجاء الى المكر والخداع والرياء ، فالفضائل الانسانية العظيمة من الاخلاص والامانة والرحمة والمحبة تصير رذائل في السياسة . وعلى الحاكم أن يكون قوياً ، لأن الاخلاق هي سلاح الضعفاء ومن صنعهم .
1-ب - الحجة:
وما يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ، والانسان شرير بطبعه ، يميل الى السيطرة والاستغلال والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ، ولو ترك على حاله لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ، فتسود الفوضى والظلم واستغلال القوي للضعيف ، ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر حفاظا على استقرار الدولة ويقائها .
ومن جهة ثانية ، فالعلاقات السياسية بين الدول تحكمها المصالح الحيوية الاستراتيجية ، فتجد الدولة نفسها بين خيارين : إما تعمل على تحقيق مصالحها بغض النظر عن الاعتبارات الاخلاقية ، وإما تراعي الاخلاق التي قد لا تتفق مع مصالحها ، فتفقدها ويكون مصيرها الضعف والانهيار .
1جـ - النقد :
ولكن القول أن الانسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس له أي أساس من الصحة ؛ فالانسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير ، ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ، أما لجوئها الى القوة فدليل على عجزها عن القيام بوظيفتها ، والا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .
هذا ، واستقراء ميكيافيلي للتاريخ إستقراء ناقص ، مما لا يسمح بتعميم أحكامه ، فهو يؤكد – من التاريخ – زوال الدول التي بنيت على اسس أخلاقية ، غير أن التاريخ نفسه يكشف ان الممارسة السياسية في عهد الخلفاء الراشدين كانت قائمة على اساس من الاخلاق ، والعلاقة بين الخليفة والرعية كانت تسودها المحبة والاخوة والنصيحة ، مما أدى الى ازدهار الدولة لا إنهيارها .
وأخيراً ، فالقوة أمر نسبي ، فالقوي اليوم ضعيف غداً ، والواقع أثبت أن الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها الزوال ، كما هو الحال بالنسبة للانظمة الاستبدادية الديكتاتورية .
2-أ-عرض نقيض الاطروحة : 
وخلافا لما سلف ، يعتقد البعض الاخر أنه من الضروري مراعاة القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية ، سواء تعلق الامر بالعلاقة التي تربط الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة الواحدة ، أو على مستوى العلاقات بين الدول . ومعنى ذلك ، أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل اللااخلاقية من العمل السياسي ، وأن يسعى الى تحقيق العدالة والامن وضمان حقوق الانسان الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما دعا إليه أغلب الفلاسفة منذ القديم ، فهذا " أرسطو " يعتبر السياسة فرعاً من الاخلاق ، ويرى أن وظيفة الدولة الاساسية هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق . ثم حديثا الفيلسوف الالماني " كانط 1724 –1804 " ، الذي يدعو الى معاملة الانسان كغاية في ذاته وليس كمجرد وسيلة ، كما دعا في كتابه " مشروع السلام الدائم " الى إنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السلام وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب الاخلاق في السياسة ، وهو ما تجسد – لاحقا – في عصبة الامم ثم هيئة الامم المتحدة ، كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل والمساواة بين الشعوب والامم . ومن بعده ألـحّ فلاسفة معاصرون على أخلاقية الممارسة السياسية ، أبرزهم الفرنسي " هنري برغسون 1856 – 1941 " و الانجليزي " برتراند رسل 1871 –1969 " .
2-ب-الحجة: 
إن الدولة خصوصاً والسياسة عموما ً إنما وجدتا لأجل تحقيق غايات أخلاقية منعدمة في المجتمع الطبيعي ، وعليه فأخلاقية الغاية تفرض أخلاقية الوسيلة . كما أن ارتباط السياسة بالاخلاق يسمح بالتطور والازدهار نتيجة بروز الثقة بين الحكام والمحكومين ، فينمو الشعور بالمسؤولية ويتفانى الافراد في العمل .
ثم ان غياب الاخلاق وابتعادها من المجال السياسي يوّلد انعدام الثقة والثورات على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي فيؤدي الى الحروب ، مع ما فيها من ضرر على الامن والاستقرار وإهدار لحقوق الانسان الطبيعية ، وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى أداة قمع وسيطرة واستغلال .
2-جـ النقد :
لا يمكن إنكار أهمية دعوة الفلاسفة الى أخلاقية الممارسة السياسية ، إلا ان ذلك يبقـى مجرد دعوة نظرية فقط ، فالقيم الاخلاقية وحدها – كقيم معنوية – لا تكفي لتجعل التظيم السياسي قوياً قادراً على فرض وجوده وفرض احترام القانون ، ولا هي تستطيع ايضاً ضمان بقاء الدولة واستمرارها ، وهو الامر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية .
3-التركيب :وفي الواقع أنه لا يمكن الفصل بين الاخلاق والسياسة ، لذلك فغاية الممارسة السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم الاخلاقية وترقية المواطن والحفاظ على حقوقه الاساسية ، دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة التي هي اساس بقاء الدولة وازدهارها 
III– حل المشكلة :
وهكذا يتضح ، أنه لا يمكن إطلاقا إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية رغم صعوبة تجسيدها في الواقع . ومن جهة أخرى ، فالاخلاق بدون قوة ضعف ، والقوة بدون أخلاق ذريعة للتعسف ومبررللظلم . وعليه فالسياسي الناجح هو الذي يتخذ من القوة وسيلة لتجسيد القيم الاخلاقية وأخلاقية الممارسة السياسية .